تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٢١٣
وابن أبي إسحاق، وتعقب بأن فيه إطلاق الرب على غيره تعالى فإن أريد به الرب بمعنى الخالق فهو باطل لأنه لا يمكن أن يطلق نبي كريم على مخلوق ذلك، وإذا أريد به السيد فهو عليه السلام في الحقيقة مملوك له، ومن هنا - وإن كان فيما ذكر نظر ظاهر - اختار في " البحر " أن الضمير لله تعالى، و * (ربي) * خبر إن، و * (أحسن مثواي) * خبر ثان، أو هو الخبر، والأول بدل من الضمير أي إنه تعالى خالقي أحسن مثواي بعطف قلب من أمرك بإكرامي علي فكيف أعصيه باتركاب تلك الفاحشة الكبيرة؟! وفيه تحذير لها عن عقاب الله تعالى، وجوز على تقدير أن يكون الرب بمعنى الخالق كون الضمير للشأن أيضا، وأيا ما كان ففي الاقتصار على ذكر هذه الحالة من غير تعرض لاقتضائها الامتناع عما دعته إليه إيذان بأن هذه المرتبة من البيان كافية في الدلالة على استحالته وكونه مما لا يدخل تحت الوقوع أصلا، وقوله تعالى: * (إنه لا يفلح الظ‍المون) * تعليل غب تعليل للامتناع المذكور، والفلاح الظفر وإدراك البغية، وذلك ضربان: دنيوي. وأخروي، فالأول: الظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء. والغنى. والعز، والثاني: أربعة أشياء: بقاء بلا فناء. وغنى بلا فقر. وعز بلا ذل. وعلم بلا جهل، ولذلك قيل: لا عيش إلا عيش الآخرة، ومعنى أفلح دخل في الفلاح كأصبح وأخواته، ولعل المراد به هنا الفلاح الأخروي، وبالظالمين كل من ظلم كائنا من كان فيدخل في ذلك المجازون للإحسان بالإساءة والعصاة لأمر الله تعالى دخولا أوليا، وقيل: الزناة لأنهم ظالمون لأنفسهم، وللمزني بأهله، وقيل: الخائنون لأنهم ظالمون لأنفسهم أيضا ولمن خانوه.
* (ولقد همت به وهم بها لولاأن رأى برهان ربه كذالك لنصرف عنه السوء والفحشآء إنه من عبادنا المخلصين) * * (ولقد همت به) * أي بمخالطته إذالهم - سواء استعمل بمعنى القصد والإرادة مطلقا أو بمعنى القصد الجازم والعقد الثابت كما هو المراد ههنا. لا يتعلق بالأعيان.
والمعنى أنها قصدت المخالطة وعزمت عليها عزما جازما لا يلويها عنه صارف بعد ما باشرت مباديها وفعلت ما فعلت مما قص الله تعالى، ولعلها تصدت هنالك لأفعال أخر من بسط يدها إليه وقصد المعانقة وغير ذلك مما اضطره عليه السلام إلى الهرب نحو الباب، والتأكيد لدفع ما عسى يتوهم من احتمال إقلاعها عما كانت عليه بما في مقالته عليه السلام من الزواجر * (وهم بها) * أي مال إلى مخالطتها بمقتضى الطبيعة البشرية كميل الصائم في اليوم الحار إلى الماء البارد، ومثل ذلك لا يكاد يدخل تحت التكليف لا أنه عليه السلام قصدها قصدا اختياريا لأن ذلك أمر مذموم تنادي الآيات على عدم اتصافه عليه السلام به، وإنما عبر عنه بالهم لمجرد وقوعه في صحبة همها في الذكر بطريق المشاكلة لا لشبهه به كما قيل، وقد أشير إلى تغايرهما كما قال غير واحد: حيث لم يلزا في قرن واحد من التعبير بأن قيل: ولقد هما بالمخالطة أو هم كل منهما بالآخر وأكد الأول دون الثاني.
* (لولا أن رء برهان ربه) * أي حجته الباهرة الدالة على كمال قبح الزنا وسوء سبيله، والمراد برؤيته لها كمال إيقانه بها ومشاهدته لها مشاهدة واصلة إلى مرتبة عين اليقين، وقيل: المراد برؤية البرهان حصول الأخلاق وتذكر الأحوال الرادعة عن الإقدام على المنكر، وقيل: رؤية * (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) * (الإسراء: 32) مكتوبا في السقف، وجواب * (لولا) * محذوف يدل عليه الكلام أي لولا مشاهدته البرهان لجرى على موجب ميله الجبلي لكنه حيث كان مشاهدا له استمر على ما هو عليه من قضية البرهان، هذا ما ذهب إليه بعض المحققين في معنى الآية وهو قول بإثبات هم له عليه السلام إلا أنه هم غير مذموم.
وفي " البحر " أنه لم يقع منه عليه السلام هم بها ألبتة بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول: قارفت الذنب
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»