بيده على صدره، ومنها ما أخرجه عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أنه مثل له يعقوب عاضا على إصبعيه وهو يقول: يا يوسف أتهم بعمل السفهاء وأنت مكتوب من الأنبياء، ومنها ما أخرجه عن القاسم بن أبي بزة قال: نودي يا ابن يعقوب لا تكونن كالطير له ريش فإذا زنى قعد ليس له ريش فلم يعرض للنداء وقعد فرفع رأسه فرأى وجه يعقوب عاضا على إصبعه فقام مرعوبا استحياءا من أبيه إلى غير ذلك، وتعقب الإمام الرازي ما ذكر بأن هذه المعصية التي نسبوها إلى يوسف - وحاشاه - من أقبح المعاصي وأنكرها، ومثلها لو نسب إلى أفسق خلق الله تعالى وأبعدهم عن كل خير لاستنكف منه، فكيف يجوز إسناده إلى هذا الصديق الكريم؟ وأيضا إن الله سبحانه شهد بكون ماهية السوء وماهية الفحشاء مصر وفتين عنه، ومع هذه الشهادة كيف يقبل القول بنسبة أعظم السوء والفحشاء إليه عليه السلام، وأيضا إن هذا الهم القبيح لو كان واقعا منه عليه السلام كما زعموا وكانت الآية متضمنة له لكان تعقيب ذلك بقوله تعالى: * (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) * خارجا عن الحكمة لأنا لو سلمنا أنه لا يدل على نفي المعصية فلا أقل من أن يدل على المدح العظيم، ومن المعلوم أنه لا يليق بحكمة الله تعالى أن يحكي إقدامه على معصية عظيمة ثم إنه يمدحه ويثني عليه بأعظم المدائح واوثنية، وأيضا إن الأكابر كالأنبياء متى صدرت عنهم زلة أو هفوة استعظموا ذلك وأتبعوه بإظهار الندامة والتوبة والتخضع والتنصل فلو كان يوسف عليه السلام أقدم على هذه الفاحشة المنكرة لكان من المحال أن لا يتبعها بذلك، ولو كان قد أتبعها لحكى وحيث لم يكن علمنا أنه ما صدر عنه في هذه الواقعة ذنب أصلا، وأيضا جميع من له تعلق بهذه الواقعة قد أفصح ببراءة يوسف عليه السلام عن المعصية كما لا يخفى على من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومن نظر في قوله سبحانه: * (إنه من عبادنا المخلصين) * رآه أفصح شاهد على براءته عليه السلام، ومن ضم إليه قول إبليس: * (فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين) * (ص: 82، 83) وجد إبليس مقرا بأنه لم يغوه ولم يضله عن سبيل الهدى كيف وهو عليه السلام من عباد الله تعالى المخلصين بشهادة الله تعالى، وقد استثناهم من عموم * (لأغوينهم أجمعين) *.
وعند هذا يقال للجهلة الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام تلك الفعلة الشنيعة: إن كانوا من أتباع الله سبحانه فليقبلوا شهادة الله تعالى على طهارته عليه السلام، وإن كانوا من أتباع إبليس فليقبلوا شهادته، ولعلهم يقولون كنا في أول الأمر من تلامذته إلى أن تخرجنا فزدنا عليه في السفاهة كما قال الحريري: وكنت امرءا من جند إبليس فانتهى * بي الحال حتى صار إبليس من جندي فلو مات قبلي كنت أحسن بعده * طرائق فسق ليس يحسنها بعدي ومن أمعن النظر في الحجج وأنصف جزم أنه لم يبق في يد الواحدي ومن وافقه إلا مجرد التصلف وتعديد أسماء المفسرين ولم يجد معهم شبهة في دعواهم المخالفة لما شهد له الآيات البينات سوى روايات واهيات.
وقد ذكر الطيبي طيب الله تعالى ثراه بعد أن نقل ما حكاه محي السنة عن بعض أهل الحقائق من أن الهم همان: هم ثابت وهو ما كان معه عزم وعقد ورضا مثل هم امرأة العزيز. وهم عارض وهو الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم مثل هم يوسف عليه السلام أن هذا التفسير هو الذي يجب أن نذهب إليه ونتخذه مذهبا، وإن نقل المفسرون ما نقلوا لأن متابعة النص القاطع وبراءة المعصوم عن تلك الرذيلة وإحالة التقصير على الرواة أولى بالمصير إليه على أن أساطين النقل المتقنين لم يرووا في ذلك شيئا مرفوعا في كتبهم، وجل تلك الروايات بل كلها مأخوذ من مسألة أهل الكتاب اه، نعم قد صحح الحاكم بعضا من الروايات التي استند إليها