تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٢٠٨
أي بعض تعبير الرؤيا التي عمدتها رؤيا الملك. وصاحبي السجن، وروي هذا المعنى عن مجاهد، وهو الظاهر كما يرشد إليه قوله عليه السلام: * (ذلك مما علمني ربي) * سواء جعل معطوفا على غاية مقدرة ينساق إليها الكلام ويستدعيها النظام كأنه قيل: ومثل ذلك التمكين البديع مكنا ليوسف في الأرض وجعلنا قلوب أهلها كافة محال محبته ليترتب على ذلك ما يترتب مما جرى بينه وبين امرأة العزيز. ولنعلمه بعض تأويل الأحاديث فيؤدي ذلك إلى الرتبة العليا والرياسة العظمى، ولعل ترك المعطوف عليه للاشعار بعدم كونه مرادا أو جعل علة لمحذوف كأنه قيل: ولهذه الحكمة البالغة فعلنا ذلك التمكين لا لشيء غيرها مما ليس له عاقبة حميدة.
واختار بعض المحققين كون ذلك إشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعده، والكاف مقحمة للدلالة على تأكيد فخاة شأن المشار إليه على ما ذكروا في * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * (البقرة: 143) والمراد به التمكين في قلب العزيز أو في منزلة وكون ذلك تمكينا في الأرض بملابسة أنه عزيز فيها لما أن الذي عليه يدور تلك الأمور إنما هو التمكين في جانب العزيز، وأما التمكين في جانب الناس كافة فتأديته إليها إنما هي باعتبار اشتماله على ذلك التمكين، ولا يخفى أن حمل التمكين في الأرض على التمكين في قلب العزيز. أو في منزله خلاف الظاهر، وكذا حمله على ما تقدم، ولعل الظاهر حمله على جعله ملكا يتصرف في أرض مصر بالأمر والنهي إلا أن في جعل التعليم المذكور غاية له خفاء لأن ذلك الجعل من آثاره ونتائجه المتفرعة عليه دون العكس ولم يعهد منه عليه السلام في تضاعيف قضاياه العمل بموجب الرأيا المنبهة على الحوادث قبل وقوعها عهدا مصححا لجعله غاية لذلك وام وقع من التدارك في أمر السنين فإنما هو عمل بموجب الرؤيا السابقة المعهودة وإرادة ليظهر تعليمنا له كما ترى، وكأن من ذهب إلى ذلك - لأنه الظاهر - أراد بتعليم تأويل الأحاديث تفهيم غوامض أسرار الكتب الإلهية ودقائق سنن الأنبياء عليهم السلام فيكون المعنى حينئذ مكنا له في أرض مصر ليتصرف فيها بالعدل ولنعلمه معاني كتب الله تعالى وأحكامها ودقائق سنن الأنبياء عليهم السلام فيقضي بها بين أهلها، والتعليم الإجمالي لتلك الأحاديث وإن كان غير متأخر عن تمكينه بذلك المعنى إلا أن تعليم كل معنى شخصي يتفق في ضمن الحوادث والإرشاد إلى الحق في كل نازلة من النوازل متأخر عن ذلك صالح لأن يكون غاية له، وأدرج بعضهم الإنجاء تحت الاشارة بذلك، وفيه بحث فتدبر. * (والله غالب على أمره) * لا يمنع عما يشاء ولا ينازع فيما يريد بل إنما أمره لشيء إذا أراد أن يقول له كن فيكون، ويدخل في عموم المصدر المضاف شؤونه سبحانه المتعلقة بيوسف عليه السلام دخولا أوليا أو متول على أمر يوسف عليه السلام فيدبره ولا يكله إلى غيره، وإلى رجوع ضمير أمره إلى الله تعالى ذهب ابن جبير، وإلى رجوعه إلى يوسف عليه السلام ذهب القرطبي، وأيا ما كان فالكلام على ما في الكشف تذييل أما على الأول فلجريه مجرى قوله تعالى: * (إن الباطل كان زهوقا) * (الإسراء: 81) من سابقه لأنه لما كان غالبا على جميع أموره لا يزاحمه أحد ولا يمتنع عليه مراد كانت إرادته تمكين يوسف وكيت وكيت، والوقوع رضيعي لبان، وأما على الثاني فلأن معناه أنه الغالب على أمره يتولاه بلطيف صنعه وجزيل إحسانه وإذا جاء نهر الله تعالى بطل نهر معقل فأين يقع كيد الاخوة وغيرهم كامرؤة العزيز موقعه فهو كقوله:
وعلام أركعبه إذا لم أنزل * من سابقه أعنيفدعوا نزال فكنت أول نازل
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»