من نسب تلك الشنيعة إليه عليه السلام لكن تصحيح الحاكم محكوم عليه بعدم الاعتبار عند ذوي الاعتبار. وفي إرشاد العقل السليم بعد نقل نبذة منها إن كل ذلك إلا خرافات وأباطيل تمجها الآذان وتردها العقول والأذهان ويل لمن لاكها ولفقها أو سمعها وصدقها، ثم إن الإمام عليه الرحمة ذكر في تفسير الآية الكريمة بعد أن منع دلالتها على الهم ما حاصله: إنا سلمنا أن الهم قد حصل إلا أنا نقول: لا بد من ءضمار فعل مخصوص يجعل متعلق الهم إذ الذوات لا تصلح له ولا يتعين ما زعموه من إيقاع الفاحشة بها بل نضمره شيئا آخر يغاير ما أضمروه، فنقول: المراد هم بدفعها عن نفسه ومنعها عن ذلك القبيح لأنه الذي يستدعيه حاله عليه السلام، وقد جاء هممت بفلان أي قصدته ودفعته ويضمر في الأول المخالطة والتمتع ونحو ذلك لأنه اللائق بحالها، فإن قالوا: لا يبقى حينئذ لقوله سبحانه: * (لولا أن رأى برهان ربه) * فائدة؟ قلنا: بل فيه أعظم الفوائد وبيانه من وجهين:
الأول: أنه تعالى أعلم يوسف أنه لو هم بدفعها لفعلت معه ما يوجب هلاكه فكان في الامتناع عن ذلك صون النفس عن الهلاك، الثاني: أنه لو اشتغل بدفعها فلربما تعلقت به فكان يتمزق ثوبه من قدام؛ وكان في علم الله تعالى أن الشاهد يشهد بأن ثوبه لو كان متمزقا من قدام لكان هو الجاني. ولو كان متمزقا من خلف لكانت هي الجانية فأعلمه هذا المعنى فلا جرم لم يشتغل بدفعها وفرعنها حتى صارت الشهادة حجة له على براءته عن المعصية، وإلى تقدير الدفع ذهب بعض السادة الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم ففي " الجواهر والدرر " للشعراني: سألت شيخنا عن قوله تعالى: * (ولقد همت به وهم بها) * ما هذا الهم الذي أبهم فقد تكلم الناس فيه بما لا يليق برتب الأنبياء عليهم السلام؟ فقال: لا أعلم، قلت: قد ذكر الشيخ الأكبر قدس سره أن مطلق اللسان يدل على أحدية المعنى، ولكن ذلك أكثري لا كلي فالحق أنها همت به عليه السلام لتقهره على ما أرادته منه، وهم هو بها ليقهرها في الدفع عما أرادته منه فالاشتراك في طلب القهر منه ومنها والحكم مختلف، ولهذا قالت: * (أنا راودته عن نفسه) * وما جاء في السورة أصلا أنه راودها عن نفسها اه، وجوز الإمام أيضا تفسيرا لهم بالشهوة، وذكر أنه مستعمل في اللغة الشائعة فإنه يقول القائل فيما لا يشتهيه: لا يهمني هذا، وفيما يشتهيه: هذا أهم الأشياء إلي، وهو ما أشرنا إليه أولا إلا أنه عليه الرحمة حمل الهم في الموضعين على ذلك فقال بعد: فمعنى الآية ولقد اشتهته واشتهاها ولولا أن رأى برهان ربه لفعل وهو مما لا داعي إليه إذ لا محذور في نسبة الهم المذموم إليها، والظاهر أن الهم بهذا المعنى مجاز كما نص عليه السيد المرتضى في درره لا حقيقة كما يوهمه ظاهر كلام الإمام، وقد ذهب إلى هذا التأويل أبو علي الجبائي. وغيره، وروي ذلك عن الحسن، وبالجملة لا ينبغي التعويل على ما شاع في الأخبار والعدول عما ذهب إليه المحققون الأخيار، وإياك والهم بنسبة تلك الشنيعة إلى ذلك الجناب بعد أن كشف الله سبحانه عن بصر بصيرتك فرأيت برهان ربك بلا حجاب * (كذلك لنصرف عنه السوء) * قيل: خيانة السيد * (والفحشاء) * الزنا لأنه مفرط القبح، وقيل: * (السوء) * مقدمات الفحشاء من القبلة والنظر بشهوة. وقيل: هو الأمر السيء مطلقا فيدخل فيه الخيانة المذكورة وغيرها، والكاف على ما قيل: في محل نصب، والإشارة إلى التثبيت اللازم للإراءة المدلول عليها بقوله سبحانه: * (لولا أن رأى برهان ربه) * أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه * (لنصرف) * الخ، وقال ابن عطية: إن الكاف متعلقة بمضمر تقديره جرت أفعالنا وأقدارنا * (كذلك لنصرف) *، وقدر أبو البقاء نراعيه كذلك، والحوفي أريناه البراهين كذلك، وجوز الجميع كونه في موضع رفع فقيل: أي الأمر أو عصمته مثل ذلك