تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٢١٤
لولا أن عصمك الله تعالى ولا نقول: إن جواب * (لولا) * متقدم عليها وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها، وقد ذهب إلى الجواز الكوفيون.
ومن أعلام البصريين أبو زيد الأنصاري. وأبو العباس المبرد بل نقول: إن جواب * (لولا) * محذوف لدلالة ما قبله عليه كما يقول جمهور البصريين في قول العرب: أنت ظالم إن فعلت كذا فيقدرونه إن فعلت فأنت ظالم، ولا يدل قولهم: أنت ظالم على ثبوت الظلم بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل، وكذلك ههنا التقدير * (لولا أن رأى برهان ربه) * لهم بها فكان يوجد الهم على تقدير انتفاء رؤية البرهان لكنه وجد رؤية البرهان فانتفى الهم، والمراد بالبرهان ما عنده عليه السلام من العلم الدال على تحريم ما همت به وأنهلا يمكن الهم فضلا عن الوقوع فيه، ولا التفات إلى قول الزجاج: ولو كان الكلام ولهم بها كان بعيدا فكيف مع سقوط اللام لأنه توهم أن قوله تعالى: * (هم بها) * هو جواب * (لولا) * ونحن لم نقل بذلك، وإنما قلنا إنه دليل الجواب على أنه على تقدير أن يكون نفس الجواب قد يقال: إن اللام ليست بلازمة بل يجوز أن يأتي جواب * (لولا) * إذا كانت بصيغة الماضي باللام وبدونها فيقال: لولا زيد لأكرمتك ولولا زيد أكرمتك، فمن ذهب إلى أن المذكور هو نفس الجواب لم يبعد، وكذا لا التفات أيضا لقول ابن عطية: إن قول من قال إن الكلام قد تم في قوله تعالى: * (ولقد همت به) * وأن جواب * (لولا) * في قوله سبحانه: * (وهم بها) * وأن المعنى * (لولا أن رأى برهان ربه) * لهم بها فلم يهم يوسف عليه السلام يرده لسان العرب، وأقوال السلف لما في قوله: يرده لسان العرب من البحث.
وقد استدل من ذهب إلى الجواز بوجوده في لسان العرب فقد قال سبحانه: * (إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) * (القصص: 10) فقوله سبحانه: * (إن كادت) * الخ إما أن يكون هو الجواب على ما ذهب إليه ذلك القائل، وإما أن يكون دليل الجواب على ما قررناه، وأما أقوال السلف فالذي نعتقده أنه لم يصح منها شيء عنهم لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضا مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين فضلا عن المقطوع لهم بالعصمة على أن ما روي لا يساعد عليه كلام العرب لأنه يقتضي كون الجواب محذوفا لغير دليل لأنهم لم يقدروا بناءا على ذلك لهم بها وكلام العرب لا يدل إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط لأنه الدليل عليه، هذا وممن ذهب إلى تحقق الهم القبيح منه عليه السلام الواحدي فإنه قال في كتاب " البسيط ": قال المفسرون الموثوق بعلمهم المرجوع إلى روايتهم الآخذون للتأويل عمن شاهد التنزيل: هم يوسف عليه السلام أيضا بهذه المرأة هما صحيحا وجلس منها مجلس الرجل من المرأة فلما رأى البرهان من ربه زال كل شهوة عنه.
قال أبو جعفر الباقر: رضي الله تعالى عنه بإسناده عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: " طمعت فيه وطمع فيها " وكان طمعه فيها أن هم أن يحل التكة.
وعن ابن عباس أنه حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن، وعنه أيضا أنها استلقت له وقعد بين رجليها ينزع ثيابه، ورووا في البرهان روايات شتى: منها ما أخرجه أبو نعيم في " الحلية " عن علي كرم الله تعالى وجهه أنها قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها وبينه، فقال عليه السلام: أي شيء تصنعين؟ فقالت: أستحي من إلهي أن يراني على هذه السوأة فقال: تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب ولا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت؟! ثم قال: لا تناليها مني أبدا وهو البرهان الذي رأى، ومنها ما أخرجه ابن جرير. وغيره عن ابن عباس أنه عليه السلام مثل له يعقوب عليه السلام فضرب
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»