* (وما من دآبة في الارض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مبين) * * (وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها) * الدابة اسم لكل حيوان ذي روح ذكرا كان أو أنثى عاقلا أو غيره، مأخوذ من الدبيب وهو في الأصل المشي الخفيف ومنه قوله: زعمتني شيخا ولست بشيخ * إنما الشيخ من يدب دبيبا واختصت في العرف بذوات القوائم الأربع وقد تخص بالفرس، والمراد بها هنا المعنى اللغوي باتفاق المفسرين أي وما من حيوان يدب على الأرض إلا على الله تعالى غذاؤه ومعاشه، والمراد أن ذلك كالواجب عليه تعالى إذ لا وجوب عليه سبحانه عند أهل الحق كما بين في الكلام، فكلمة * (على) * المستعملة للوجوب مستعارة استعارة تبعية لما يشبهه ويكون من المجاز بمرتبتين، وذكر الإمام أن الرزق واجب بحسب الوعد والفضل والإحسان على معنى أنه باق على تفضله لكن لما وعده سبحانه وهو جل شأنه لا يخل بما وعد صوره بصورة الوجوب لفائدتين: التحقيق لوصوله. وحمل العباد على التوكل فيه، ولا يمنع من التوكل مباشرة الأسباب مع العلم بأنه سبحانه المسبب لها ففي الخبر " اعقل وتوكل " وجاء " لن تموت نفس حتى تستمل رزقها وأجلها فاتقوا الله تعالى وأجملوا في الطلب " ولا ينبغي أن يعتقد أنه لا يحصل الرزق بدون مباشرة سبب فإنه سبحانه يرزق الكثير من دون مباشرة سبب أصلا، وفي بعض الآثار " إن موسى عليه السلام عند نزول الوحي تعلق قلبه بأحوال أهله فأمره الله تعالى بأن يضرب بعصاه صخرة فضرب فانشقت الصخرة وخرجت صخرة ثانية فضربها فخرجت ثالثة فضربها فانشقت عن دودة كالذرة وفي فمها شيء يجري مجرى الغذاء لها وسمعها تقول: سبحان من يراني ويسمع كلامي ويعرف مكاني ويذكرني ولا ينساني " وما أحسن قول ابن أذينة: لقد علمت وما الإشراف من خلقي * إن الذي هو رزقي سوف يأتيني أسعى إليه فيعييني تطلبه * ولو أقمت أتان لا يعنيني وقد صدقه الله تعالى في ذلك يوم وفد على هشام فقرعه بقوله هذا فرجع إلى المدينة فندم هشام على ذلك وأرسل بجازئته إليه، ويقرب من قصته قصة الثقفي مع عبيد الله بن عامر خال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وهي مشهورة حكاها ابن أبي الدنيا ونقلها غير واحد، وقد ألغي أمر الأسباب جدا من قال: مثل الرزق الذي تطلبه * مثل الظل الذي يمشي معك أنت لا تدركه متبعا * وإذا وليت عنه تبعك
(٢)