تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٢١٧
لكن قال الحوفي: إن النصب أجود لمطالبة حروف الجر للأفعال أو معانيها، واختار في " البحر " كون الإشارة إلى الرؤية المفهومة من رأى أو الرأي المفهوم، وقد جاء مصدر الرأي كالرؤية كما في قوله: ورأى عيني الفتى أباكا * يعطي الجزيل فعليك ذاكا والكاف في موضع نصب بما دل عليه قوله سبحانه: * (لولا أن رأى) * الخ، وهو أيضا متعلق * (لنصرف) * أي مثل الرؤية أو الرأي يرى براهيننا (لنصرف) الخ، وقيل غير ذلك، ومما لا ينبغي أن يلتفت إليه ما قيل: إن الجار والمجرور متعلق بهم، وفي الكلام تقديم وتأخير وتقديره ولقد همت به وهم بها كذلك لولا أن رأى برهان ربه لنصرف عنه الخ، ولا يخفى ما في التعبير بما في النظم الجليل دون لنصرفه عن السوء والفحشاء من الدلالة على رد من نسب إليه ما نسب والعياذ بالله تعالى.
وقرأ الأعمش - ليصرف - بياء الغيبة وإسناد الصرف إلى ضمير الرب سبحانه * (إنه من عبادنا المخلصين) * تعليل لما سبق من مضمون الجملة بطريق التحقيق، والمخلصون هم الذين أخلصهم الله تعالى واختارهم لطاعته بأن عصمهم عما هو قادح فيها، والظاهر أن المراد الحكم عليه بأنه مختار لطاعته سبحانه، ويحتمل على ما قيل: أن يكون المراد أنه من ذرية إبراهيم عليه السلام الذين قال فيهم جل وعلا: * (إنا أخلصناهم بخالصة) * (ص: 46).
وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو. وابن عامر المخلصين إذا كان فيه أل حيث وقع بكسر اللام وهم الذين أخلصوا دينهم لله تعالى، ولا يخفى ما في التعبير بالجملة الاسمية من الدلالة على انتظامه عليه السلام في سلك أولئك العباد الذين هم هم من أول الأمر لا أنه حدث له ذلك بعد أن لم يكن، وفي هذا عند دوي الألباب ما ينقطع معه عذر أولئك المتشبثين بأذيال هاتيك الأخبار التي ما أنزل الله تعالى بها من كتاب.
* (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزآء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم) * * (واستبقا الباب) * متصل بقوله سبحانه: * (ولقد همت به وهم بها) * الخ، وقوله تعالى: * (كذلك) * الخ اعتراض جيء به بين المعطوفين تقريرا لنزاهته عليه السلام، والمعنى لقد همت به وأبى هو واستبقا أي تسابقا إلى الباب على معنى قصد كل من يوسف عليه السلام وامرأة العزيز سبق الآخر إليه فهو ليخرج وهي لتمنعه من الخروج؛ وقيل: المراد من السبق في جانبها الإسراع إثره إلا أنه عبر بذلك للمبالغة، ووحد الباب هنا مع جمعه أولا لأن المراد الباب البراني الذي هو المخلص؛ واستشكل بأنه كيف يستبقان إليه ودونه أبواب جوانيه بناءا على ما ذكروا من أن الأبواب كانت سبعة.
وأجيب بأنه روى عن كعب أن أقفال هاتيك الأبواب كانت تتناثر إذا قرب إليها يوسف عليه السلام وتتفتح له؛ ويحتمل أنه لم تكن تلك الأبواب المغلقة على الترتيب بابا فبابا بل كانت في جهات مختلفة كلها منافذ للمكان الذي كانا فيه فاستبقا إلى باب يخرج منه، ونصب الباب على الاتساع لأن أصل استبق أن يتعدى بإلى لكن جاء كذلك على حد * (وإذا كالوهم) * (المطففين: 3) * (واختار موسى قومه سبعين رجلا) * (الأعراف: 551)، وقيل: إنه ضمن الاستباق معنى الابتدار فعدى تعديته * (وقدت قميصه من دبر) * يحتمل أن يكون معطوفا على * (استبقا) *، ويحتمل أن يكون في موضوع الحال كما قال أبو حيان أي وقدقدت، والقد القطع والشق وأكثر استعماله فيما كان طولا وهو
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»