أي هذا القدر والشق كما قال الضحاك * (من كيدكن) * أي ناشى من احتيالكن أيتها النساء ومكركن ومسبب عنه، وهذا تكذيب لها وتصديق له عليه السلام على ألطف وجه كأنه قيل: أنت التي راودتيه فلم يفعل وفر فاجتذبتيه فشققت قميصه فهو الصادق في إسناد المراودة إليك وأنت الكاذبة في نسبة السوء إليه، وقيل: الضمير للأمر الذي وقع فيه التشاجر وهو عبارة عن إرادة السوء التي أسندت إلى يوسف عليه السلام وتدبير عقوبته بقولها * (ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) * (يوسف: 25) الخ أي إن ذلك من جنس مكركن واحتيالكن، وقيل: هو للسوء وهو نفسه وإن لم يكن احتيالا لكنه يلازمه، وقال الماوردي: هو لهذا الأمر وهو طمعها في يوسف عليه السلام؛ وجعله من الحيلة مجاز أيضا كما في الوجه الذي قبله، وقال الزجاج: هو لقولها: * (ما جزاء) * الخ فقط، واختار العلامة أبو السعود القيل الأول وتكلف له بما تكلف واعترض على ما بعده من الأقوال بما اعترض.
ولعل ما ذكرناه أقرب للذوق وأقل مؤنة مما تكلف له؛ وأيا ما كان فالخطاب عام للنساء مطلقا وكونه لها ولجواريها - كما قيل - ليس بذاك، وتعميم الخطاب للتنبيه على أن الكيد خلق لهن عريق: ولا تحسبا هندا لها الغدر وحدها * سجية نفس كل غانية هند * (إن كيدكن عظيم) * فإنه ألطف وأعلق بالقلب وأشد تأثيرا في النفس ولأن ذلك قد يورث من العار ما لا يورثه كيد الرجال، ولربات القصور منهن القدح المعلى من ذلك لأنهن أكثر تفرغا من غيرهن مع كثرة اختلاف الكيادات إليهن فهن جوامع كوامل، ولعظم كيد النساء اتخذهن إبليس عليه اللعنة وسائل لإغواء من صعب عليه إغواؤه، ففي الخبر " ما أيس الشيطان من أحد إلا أتاه من جهة النساء " وحكي عن بعض العلماء أنه قال: أنا أخاف من النساء ما لا أخاف من الشيطان فإنه تعالى يقول: * (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) * (النساء: 76) وقال للنساء: * (إن كيدكن عظيم) * (يوسف: 28) ولأن الشيطان يوسوس مسارقة وهن يواجهن به، ولا يخفى أن استدلاله بالآيتين مبني على ظاهر إطلاقهما، ومثله ما تنقبض له النفس وتنبسط يكفي فيه ذلك القدر فلا يضر كون ضعف كيد الشيطان إنما هو في مقابلة كيد الله تعالى، وعظيم كيدهن إنما هو بالنسبة إلى كيد الرجال، وما قيل: إن ما ذكر لكونه محكيا عن قطفير - لا يصلح للاستدلال به بوجه من الوجوه - ليس بشيء لأنه سبحانه قصه من غير نكير فلا جناح في الاستدلال به كما لا يخفى.
* (يوسف أعرض عن هاذا واستغفرى لذنبك إنك كنت من الخاطئين) * * (يوسف) * حذف منه حرف النداء لقربه وكمال تفطنه للحديث، وفي ندائه باسمه تقريب له عليه السلام وتلطيف.
وقرأ الأعمش * (يوسف) * بالفتح، والأشبه على ما قال أبو البقاء: أن يكون أخرجه على أصل المنادي كما جاء في الشعر: يا عديا لقد وقتك الأواقي وقيل: لم تضبط هذه القراءة عن الأعمش، وقيل: إنه أجرى الوقف مجرى الوصل ونقل إلى الفاء حركة الهمزة من قوله تعالى: * (أعرض عن هاذا) * أي عن هذا الأمر واكتمه ولا تتحدث به فقد ظهر صدقك وطهارة ثوبك، وهذا كما حكى الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله بالوصل والفتح، وقرىء * (أعرض) * بصيغة الماضي فيوسف حينئذ مبتدأ والجملة بعده خبر، ولعل المراد الطلب على أتم وجه فيؤول إلى معنى * (أعرض) * * (واستغفري) * أنت أيتها المرأة، وضعف أبو البقاء هذه القراءة بأن الأشبه عليها أن