تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٥٤
كل حال بحرم، وجوز أن يتعلق بأتل ورجح الأول بأنه أنسب بمقام الاعتناء بإيجاب الانتهاء عن المحرمات المذكورة، وهو السر في التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم، ولا يضر في ذلك كون المتلو محرما على الكل كما لا يخفى.
* (ألا تشركوا به شيئا) * أي من الإشراك أو شيئا من الأشياء فشيئا يحتمل المصدرية والمفعولية؛ وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في إعراب (أن لا). وبدأ سبحانه بأمر الشرك لأنه أعظم المحرمات وأكبر الكبائر * (وبالوالدين) * أي أحسنوا بهما * (إحسانا) * كاملا لا إساءة معه. وعن ابن عباس يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب فلا يغلظ لهما في الجواب ولا يحد النظر إليهما ولا يرفع صوته عليهما بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي سيده تذللا لهما، وثنى الله تعالى بهذا التكليف لأن نعمة الوالدين أعظم النعم على العبد بعد نعمة الله تعالى لأن المؤثر الحقيقي في وجود الإنسان هو الله عز وجل والمؤثر في الظاهر هو الأبوان.
وعقب سبحانه التكليف المتعلق بالوالدين بالتكليف المتعلق بالأولاد لكمال المناسبة فقال سبحانه: * (ولا تقتلوا أولادكم) * بالوأد * (من إملاق) * (الإسراء: 31) من أجل فقر أو من خشيته كما في قوله سبحانه: * (خشية إملاق) * وقيل: الخطاب في كل آية لصنف وليس خطابا واحدا فالمخاطب بقوله سبحانه: * (من إملاق) * من ابتلي بالفقر وبقوله تعالى: * (خشية إملاق) * من لا فقر له ولكن يخشى وقوعه في المستقبل، ولهذا قدم رزقهم ههنا في قوله عز وجل * (نحن نرزقكم وإياهم) * وقدم رزق أولادهم في مقام الخشية فقيل: * (نحن نرزقهم وإياكم) * (الإسراء: 31) وهو كلام حسن. وأيا ما كان فجملة * (نحن) * الخ استئناف مسوق لتعليل النهي وإبطال سببية ما اتخذوه سببا لمباشرة المنهي عنه وضمان منه تعالى لإرزاقهم أي نحن نرزق الفريقين لا أنتم فلا تقدموا على ما نهيتم عنه لذلك. * (ولا تقربوا الفواحش) * أي الزنا، والجمع إما للمبالغة أو باعتبار تعدد من يصدر عنه أو للقصد إلى النهي عن الأنواع ولذا أبدل منها قوله سبحانه: * (ما ظهر منها وما بطن) * أي ما يفعل منها علانية في الحوانيت كما هو دأب أراذلهم وما يفعل سرا باتخاذ الأخدان كما هو عادة أشرافهم، وروي ذلك عن ابن عباس والضحاك والسدي، وقيل: المراد بها المعاصي كلها. وفي المراد - بما ظهر منها وما بطن - على هذا أقوال تقدمت الإشارة إليها واختار ذلك الإمام وجماعة، ورجح بعض المحققين الأول بأنه الأوفق بنظم المتعاطفات، ووجه توسيط هذا النهي عن النهي بين قتل الأولاد والنهي عن القتل مطلقا عليه باعتبار أن الفواحش بهذا المعنى مع كونها في نفسها جناية عظيمة في حكم قتل الأولاد فإن أولاد الزنا في حكم الأموات. وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في حق العزل: " ذاك وأد خفي " وعلى القول الآخر لا يظهر وجه توسيط هذا العام بين أفراده ويكون توسيطه بين النهيين من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه، وتعليق النهي بقربانها إما للمبالغة في الزجر عنها لقوة الدواعي إليها وإما لأن قربانها داع إلى مباشرتها.
* (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله) * أي حرم قتلها بأن عصمها بالإسلام أو بالعهد فيخرج الحربي ويدخل الذمي، فما روي عن ابن جبير من كون المراد بالنفس المذكورة النفس المؤمنة ليس في محله * (إلا بالحق) * استثناء
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»