تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٥٦
وقوعه فكأنه قيل: عليكم بما في وسعكم في هذا الأمر وما وراءه معفو عنكم. وجوز أن يكون جىء بها لتهوين أمر ما تقدم من التكليفات ليقبلوا عليها كأنه قيل: جميع ما كلفناكم به ممكن غير شاق ونحن لا نكلف ما لا يطاق.
* (وإذا قلتم) * قولا في حكومة أو شهادة أو نحوهما * (فاعدلوا) * فيه وقولوا الحق * (ولو كان) * المقول له أو عليه * (ذا قربى) * أي صاحب قرابة منكم * (وبعهد الله أوفوا) * أي ما عهد إليكم من الأمور المعدودة أو أي عهد كان فيدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا أو ما عاهدتم الله تعالى عليه من أيمانكم ونذوركم. والجار والمجرور متعلق بما بعده، وتقديمه للاعتناء بشأنه * (ذلكم) * أي ما فصل من التكاليف الجليلة * (وصاكم به) * أمركم به أمرا مؤكدا * (لعلكم تذكرون 152) * ما في تضاعيفه وتعملون بمقتضاه. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم * (تذكرون) * بتخفيف الذال والباقون بالتشديد في كل القرآن وهما بمعنى واحد.
وختمت الآية الأولى بقوله سبحانه: * (لعلكم تعقلون) * (الأنعام: 151) وهذه بقوله تعالى: * (لعلكم تذكرون) * لأن القوم كانوا مستمرين على الشرك وقتل الأولاد وقربان الزنا وقتل النفس المحرمة بغير حق غير مستنكفين ولا عاقلين قبحها فنهاهم سبحانه لعلهم يعقلون قبحها فيستنكفوا عنها ويتركوها. وأما حفظ أموال اليتامى عليهم وإيفاء الكيل والعدل في القول والوفاء بالعهد فكانوا يفعلونه ويفتخرون بالاتصاف به فأمرهم الله تعالى بذلك لعلهم يذكرون إن عرض لهم نسيان؛ قاله القطب الرازي، ثم قال فإن قلت إحسان الوالدين من قبيل الثاني أيضا فكيف ذكر من الأول؟ قلت: أعظم النعم على الإنسان نعمة الله تعالى ويتلوها نعمة الوالدين لأنهما المؤثران في الظاهر ومنهما نعمة التربية والحفظ عن الهلاك في وقت الصغر فلما نهى عن الكفر بالله تعالى نهى بعده عن الكفران في نعمة الأبوين تنبيها على أن القوم لما لم يرتكبوا الكفران فبطريق الأولى أن لا يرتكبوا الكفر.
وقال الإمام: السبب في ختم كل آية بما ختمت " أن التكاليف الخمسة المذكورة في الآية الأولى (أمور) ظاهرة جلية فوجب تعقلها وتفهمها والتكاليف الأربعة المذكورة في هذه الآية أمور خفية غامضة لا بد فيها من الاجتهاد والفكر الكثير حتى يقف على موضع الاعتدال وهو التذكر " انتهى. ويمكن أن يقال: إن أكثر التكليفات الأول أدي بصيغة النهي وهو في معنى المنع والمرء حريص على ما منع فناسب أن يعلل الإيصاء بذلك بما فيه إيماء إلى معنى المنع والحبس وهذا بخلاف التكليفات الأخر فإن أكثرها قد أدي بصيغة الأمر وليس المنع فيه ظاهرا كما في النهي فيكون تأكيد الطلب والمبالغة فيه ليستمر عليه ويتذكر إذا نسي فليتدبر.
* (وأن ه‍اذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذالكم وص‍اكم به لعلكم تتقون) *.
* (وأن ه‍اذا صراطي) * إشارة إلى شرعه عليه الصلاة والسلام على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويلائمه النهي الآتي، وعن مقاتل أنه إشارة إلى ما في الآيتين من الأمر والنهي، وقيل: إلى ما ذكر في السورة فإن أكثرها في إثبات التوحيد والنبوة وبيان الشريعة. وقرأ حمزة والكسائي * (إن) * بالكسر وابن عامر ويعقوب بالفتح والتخفيف، والباقون به مشددة. وقرأ ابن عامر * (صراطي) * بفتح الياء، وقرىء * (وهذا صراطي) *. * (وهذا صراط ربكم) *. * (وهذا صراط ربك) * وإضافة الصراط إلى الرب سبحانه من حيث الوضع وإليه عليه الصلاة والسلام من حيث السلوك والدعوة
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»