تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٥٩
والنهي على الأمر لقول امرىء القيس: لا تهلك أسى وتجمل ولا نعلم في هذا خلافا بخلاف الجمل المتباينة بالخبر والاستفهام والإنشاء فإن في جواز العطف فيها خلافا مشهورا " اه‍. وأنت تعلم أن العطف على * (تعالوا) * في غاية البعد ولا ينبغي الالتفات إليه، وما ذكره من الحذف وجعل التفسير للمحذوف والمنطوق لا يخلو عن حسن، ونقل الطبرسي جواز كون (أن لا تشركوا) بتقدير اللام على معنى " أبين لكم الحرام لأن لا تشركوا لأنهم إذا حرموا ما أحل الله فقد جعلوا غير الله تعالى في القبول منه بمنزلة الله سبحانه وصاروا بذلك مشركين "، ولا ينبغي تخريج كلام الله تعالى على مثل ذلك كما لا يخفى.
* (ثم ءاتينا موسى الكت‍ابتماما على الذىأحسن وتفصيلا لكل شىء وهدى ورحمة لعلهم بلقآء ربهم يؤمنون) *.
* (ثم ءاتينا موسى الكتاب) * كلام مسوق من جهته تعالى تقريرا للوصية وتحقيقا لها وتمهيدا لما تعقبه من ذكر إنزال القرآن المجيد كما ينبىء عنه تغيير الأسلوب بالالتفات إلى التكلم معطوف على مقدر يقتضيه المقام ويستدعيه النظام كأنه قيل بعد قوله سبحانه: * (ذلكم وصاكم به) * (الأنعام: 152) بطريق الاستئناف تصديقا له وتقريرا لمضمونه فعلنا ذلك * (ثم آتينا) * الخ. وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام قدس سره، وقيل: عطف على * (ذلكم وصاكم به) *. وعن الزجاج أنه عطف على معنى التلاوة كأنه قيل: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ثم اتل عليهم ما آتاه الله تعالى موسى عليه السلام، وقيل: عطف على * (قل) * (الأنعام: 151) وفيه حذف أي قل تعالوا ثم قل آتينا موسى الكتاب. وعن أبي مسلم واستحسنه المغربي أنه متصل بقوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: * (ووهبنا له إسحق ويعقوب) * (الأنعام: 84) وذلك أنه سبحانه عد نعمته عليه بما جعل في ذريته من الأنبياء عليهم السلام ثم عطف عليه بذكر ما أنعم عليه بما آتى موسى عليه السلام من الكتاب والنبوة وهو أيضا من ذريته، والكل كما ترى وإن اختلف مراتبه في الوهن.
وثم - كما قال الفراء - للترتيب الإخباري كما في نحو بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت (اليوم) أعجب. وتعقبه ابن عصفور بأنه ليس بشيء لأن ثم تقتضي تأخر الثاني عن الأول بمهلة ولا مهلة في الإخبارين فلا بد من الرجوع إلى أنها انسلخ عنها معنى الترتيب أو أنه ترتيب رتبي كما يشير إليه قوله: أعجب في المثال وهو هنا ظاهر لأن إيتاء التوراة المشتملة على الأحكام والمنافع الجمة أعظم من هذه الوصية المشهورة على الألسنة، وبعضهم وجه الترتيب الإخباري المستدعي لتأخر الثاني عن الأول بأن الألفاظ المنقضية تنزل منزلة البعيد. وقيل: إنه باعتبار توسط جملة * (لعلكم تتقون) * (الأنعام: 153) بين المتعاطفين. وقال بعضهم: إن * (ثم) * هنا بمعنى الواو، وقد جاء ذلك كثيرا في الكتاب.
* (تماما) * للكرامة والنعمة وهو في موقع المفعول له، وجاز حذف اللام لكونه في معنى إتماما، وجوز أبو البقاء أن يكون مصدرا لقوله: * (آتينا) * من معناه لأن إيتاء الكتاب إتمام للنعمة كأنه قيل: أتممنا النعمة إتماما فهو كنباتا في قوله تعالى: * (والله أنبتكم من الأرض نباتا) * (نوح: 17) وأن يكون حالا من الكتاب أي تاما * (على الذي أحسن) * أي (على) من أحسن القيام به كائنا من كان فالذي للجنس. ويؤيده قراءة عبد الله * (على الذين أحسنوا) * وقراءة الحسن * (على المحسنين) *. وعن الفراء أن الذي هنا مثلها في قوله: إن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد وكلام مجاهد محتمل للوجهين أو على الذي أحسن تبليغه وهو موسى عليه السلام أو تماما على
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»