هؤلاء الكفار في الإصرار على الكفر والتمادي على العناد إلى أن تأتيهم تلك الأمور الهائلة التي لا بد لهم من الإيمان عند مشاهدتها ألبتة بحال المنتظرين لها وهذا هو الذي يقتضيه التفسير المأثور ولا ينبغي العدول عن ذلك التفسير بعد أن صحت نسبة بعضه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والبعض الآخر إلى أصحابه رضي الله تعالى عنهم وليس في النظم الكريم ما يأباه ولا أن المقام إنما يساعد على ما سواه، وقيل: المراد بإتيان الملائكة وإتيان الرب سبحانه ما اقترحوه بقولهم: * (لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا) * (الفرقان: 21) وبقولهم * (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) * (الإسرار: 92) وبإتيان بعض الآيات غير ما ذكر كما اقترحوا بقولهم: * (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا) * (الإسرار: 92) ونحو ذلك من عظائم الآيات التي علقوا بها إيمانهم.
وجوز حمل بعض الآيات في قوله سبحانه: * (يوم يأتي بعض آيات ربك) * على ما يعم مقترحاتهم وغيرهما من الدواهي العظام السالبة للاختيار الذي يدور عليه فلك التكليف وهو كلام في نفسه ليس بالدون ولكن إذا صح الحديث فهو مذهبي، والتعبير بالبعض للتهويل والتفخيم كما أن إضافة الآيات إلى اسم الرب المنبىء عن المالكية الكلية لذلك، وإضافته إلى ضميره عليه الصلاة والسلام للتشريف. وتنكير * (نفسا) * للتعميم. وجملة * (لم تكن آمنت) * في موضع النصب صفة لنفسا فصل بينهما بالفاعل لاشتمالها على ضمير الموصوف ولا ضير فيه لأنه غير أجنبي منه لاشتراكهما في العامل. وجوز كونها استئنافية و * (يوم) * منصوب بلا ينفع. وامتناع عمل ما بعد لا فيما قبلها إنماهو عند وقوعها جواب القسم. وقرأ حمزة والكسائي * (يأتيهم) * بالياء لأن تأنيث الملائكة غير حقيقي. وقرىء * (يوم) * بالرفع على الابتداء. والخبر هو الجملة والعائد محذوف أي لا ينفع فيه. وقرأ أبو العالية وابن سيرين * (لا تنفع) * بالتاء الفوقانية. وخرجها ابن جني على أنها من باب قطعت بعض أصابعه فالمضاف فيه قد اكتسب التأنيث من المضاف إليه كونه شبيها بما يستغني عنه، وقال أبو حيان: " إن التأنيث لتأويل الإيمان بالعقيدة والمعرفة مثل جاءته كتابي فاحتقرها على معنى الصحيفة ".
وقوله سبحانه: * (أو كسبت في إيمانها خيرا) * عطف على * (آمنت) * والكلام محمول على نفي الترديد المستلزم للعموم المفيد بمنطوقه لاشتراط عدم النفع بعدم الأمرين معا الإيمان المقدم والخير المكسوب فيه وبمفهومه لاشتراط النفع بتحقق أحدهما بطريق منع الخلو دون الانفصال الحقيقي. والمعنى أنه لا ينفع الإيمان حينئذ نفسا لم يصدر عنها من قبل أما الإيمان المجرد أو الخير المكسوب فيه فيتحقق الخير بأيهما كان حسبما تنطق به النصوص الكريمة من الآيات والأحاديث الصحيحة. والمعتزلة يقولون: إن الترديد بين النفيين، والمراد نفي العموم لا عموم النفي. والمعنى أنه لا ينفع الإيمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها أو مقدمة إيمانها غير كاسبة فيه خيرا. وهذا صريح فيما ذهبوا إليه من أن الإيمان المجرد عن العمل لا يعتبر ولا ينفع صاحبه. ولم يحملوا ذلك على عموم النفي كما قرروه في قوله تعالى: * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * (الإنسان: 24) لأن ذلك حيث لم تقم قرينة حالية أو مقالية على خلافه وهنا قد قامت قرينة على خلافه فإنه لو اعتبر عموم النفي لغى ذكر اشتراط عدم النفع بالخلو عن كسب الخير في الإيمان ضرورة أنه إذا انتفى الإيمان قبل ذلك اليوم انتفى كسب الخير فيه قطعا على أن الموجب للخلود في النار هو عدم الإيمان من غير أن يكون لعدم