الخيال فكذب الرسل وأشرك بالله عز وجل واعتمد على أنه إنما يفعل ذلك (كله) (2) بمشيئة الله تعالى ورام إفحام الرسل بهذه الشبهة، ثم بين سبحانه أنهم لا حجة لهم في ذلك وأن الحجة البالغة له جل وعلا لا لهم، ثم أوضح سبحانه أن كل واقع واقع بمشيئته وأنه لم يشأ منهم إلا ما صدر عنهم وأنه تعالى لو شاء منهم الهداية لاهتدوا أجمعون. والمقصود من ذلك أن يتمحض وجه الرد عليهم ويتخلص عقيدة نفوذ المشيئة وعموم تعلقها بكل كائن عن الرد وينصرف الرد إلى دعواهم بسلب الاختيار لأنفسهم وإلى إقامتهم الحجة بذلك خاصة، وإذا تدبرت الآية وجدت صدرها دافعا بصدور الجبرية وعجزها معجزا للمعتزلة إذ الأول: مثبت أن للعبد اختيارا وقدرة على وجه يقطع حجته وعذره في المخالفة والعصيان. والثاني: مثبت نفوذ مشيئة الله تعالى في العبد وأن جميع أفعاله على وفق المشيئة الإلهية "، وبذلك تقوم الحجة البالغة لأهل السنة على المعتزلة والحمد لله رب العالمين.
ووجه القطب الآية بأن مرادهم رد دعوة الأنبياء عليهم السلام على معنى أن الله تعالى شاء شركنا وأراده منا وأنتم تخالفون إرادته حيث تدعونا إلى الإيمان فوبخهم سبحانه بوجوه عد منها قوله سبحانه: * (فلله الحجة البالغة) * فإنه بتقدير الشرط أي إذا كان الأمر كما زعمتم فلله الحجة. وقوله سبحانه: * (فلو شاء) * الخ بدل منه على سبيل البيان أي لو شاء لدل كلا منكم ومن مخالفيكم على دينه فلو كان الأمر كما تزعمون لكان الإسلام أيضا بالمشيئة فيجب أن لا تمنعوا المسلمين من الإسلام كما وجب بزعمكم أن لا يمنعكم الأنبياء عن الشرك فيلزمكم أن لا يكون بينكم وبين المسلمين مخالفة ومعاداة بل موافقة وموالاة، ثم قال: وربما يوجه هذا الاحتجاج بأن ما خالف مذهبكم من النحل يجب أن يكون عندكم حقا لأنه بمشيئة الله تعالى فيلزم تصحيح الأديان المتناقضة، وفيه منع لأن الصحة إنما تكون بالجريان على منهج الشرع ولا يلزم من تعليق مشيئته تعالى بشيء جريان ذلك عليه، ولا يخفى أن التوجيه الأول كهذا التوجيه لا يخلو عن دغدغة فتدبر.
* (قل هلم شهدآءكم الذين يشهدون أن الله حرم هاذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهوآء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالاخرة وهم بربهم يعدلون) *.
* (قل هلم شهداءكم) * أي أحضروهم للشهادة هو اسم فعل لا يتصرف عند أهل الحجاز وفعل يؤنث ويثنى ويجمع عند بني تميم وهو مبني على ما اشتهر من أن ما ذكر من خصائص الأفعال. وعن أبي علي الفارسي أن الضمائر قد تتصل بالكلمة وهي حرف كليس أو اسم فعل كهات لمناسبتها للأفعال. وعلى هذا تكون * (هلم) * اسم فعل مطلقا كما في " شرح التسهيل " وعليه الرضي حيث قال: وبنو تميم يصرفونه فيذكرونه ويؤنثونه ويجمعونه نظرا إلى أصله. وأصله عند البصريين هالم من لم إذا قصد حذفت الألف لتقدير السكون في اللام لأن أصله المم وعند الكوفيين هل أم فنقلت ضمة الهمزة إلى اللام وحذفت كما هو القياس، واستبعد بأن هل لا تدخل الأمر. ودفع بما نقله الرضي عنهم من أن أصل هل أم هلا أم وهلا كلمة استعجال بمعنى أسرع فغير إلى هل لتخفيف التركيب ثم فعل به مافعل. ويكون متعديا بمعنى أحضر وائت ولازما بمعنى أقبل كما في قوله تعالى: * (هلم إلينا) * (الأحزاب: 18).
* (الذين يشهدون أن الله حرم هاذا) * وهم كبراؤهم الذين أسسوا ضلالهم. والمقصود من إحضارهم تفضيحهم وإلزامهم وإظهار أن لا متمسك لهم كمقلديهم ولذلك قيد الشهداء بالإضافة ووصفوا بما يدل على انهم شهداء معرفون بالشهادة لهم وبنصر مذهبهم. وهذا إشارة إلى ما حرموه من الأنعام على ما حكته الآيات السابقة.