أضدادها وتضمين الخبر معنى الطلب، وأما جعل (لا) ناهية واقعة موقع الصلة لأن المصدرية كما جوزه سيبويه إذ عمل الجازم في الفعل والناصب في (لا) معه فمما لا سبيل إليه هنا لأن زيادة لا الناهية مما لم يقل به أحد ولم يرد في كلام؛ وإن جعلت (أن) مفسرة و (لا) ناهية والنواهي بيان لتلاوة المحرمات توجه إشكالان، أحدهما: عطف * (أن هذا صراطي مستقيما) * على (أن لا تشركوا) مع أنه لا معنى لعطفه على (أن) المفسرة مع الفعل. وثانيهما: عطف الأوامر المذكورة فإنها لا تصلح بيانا لتلاوة المحرمات بل الواجبات، واختار الزمخشري كونها مفسرة وعطف الأوامر لأنها معنى نواه، ولا سبيل حينئذ لجعلها مصدرية موصولة بالنهي لما علمت.
وأجاب عن الإشكال الأول بأن قوله سبحانه: * (وأن هذا صراطي) * ليس عطفا على (أن لا تشركوا) بل هو تعليل للاتباع متعلق باتبعوه على حذف اللام، وجاز عود ضمير (اتبعوه) إلى الصراط لتقدمه في اللفظ. فإن قيل: فعلى هذا يكون (اتبعوه) عطفا على (لا تشركوا) ويكون التقدير فاتبعوا صراطي لأنه مستقيم، وفيه جمع بين حرفي عطف الواو والفاء وليس بمستقيم، وإن جعلت الواو استئنافية اعتراضية قلنا: ورود الواو مع الفاء عند تقديم المعمول فصلا بينهما شائع في الكلام مثل * (وربك فكبر) * * (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا) * (الجن: 18) فإن أبيت الجمع ألبتة ومنعت زيادة الفاء فاجعل المعمول متعلقا بمحذوف والمذكور بالفاء عطفا عليه مثل عظم فكبر وادعوا الله فلا تدعوا مع الله وآثروه فاتبعوه.
وعن الإشكال الثاني بأن عطف الأوامر على النواهي الواقعة بعد (أن) المفسرة لتلاوة المحرمات مع القطع بأن المأمور به لا يكون محرما دل على أن التحريم راجع إلى أضدادها بمعنى أن الأوامر كأنها ذكرت وقصد لوازمها التي هي النهي عن الأضداد حتى كأنه قيل: أتلو ما حرم أن لا تسيؤوا إلى الوالدين ولا تبخسوا الكيل والميزان ولا تتركوا العدل ولا تنكثوا العهد، ومثل هذا وإن لم يجز بحسب الأصل لكن ربما يجوز بطريق العطف، وأما جعل الوقف على قوله تعالى: * (ربكم) * وانتصاب (أن لا تشركوا) بعليكم يعني ألزموا ترك فيأباه عطف الأوامر إلا أن تجعل (لا) ناهية و (أن) المصدرية موصولة بالأوامر والنواهي.
وقال أبو حيان: لا يتعين أن يكون جميع الأوامر معطوفة على جميع ما دخل عليه (لا) فإنه لا يصح عطف * (وبالوالدين إحسانا) * على * (تعالوا) * (الأنعام: 151) ويكون ما بعده عطف عليه. واعترض على القول " بأن التحريم راجع إلى أضداد الأوامر بأنه بعيد جدا وإلغاز في المعاني ولا ضرورة تدعو إلى ذلك، ثم قال: وأما عطف هذه الأوامر فيحتمل وجهين، أحدهما: أنها معطوفة (لا) على المناهي قبلها فيلزم انسحاب التحريم عليها حيث كانت في حيز (أن) التفسيرية بل هي معطوفة على قوله سبحانه: * (أتل ما حرم) * (الأنعام: 151) أمرهم أولا بأمر ترتب عليه ذكر مناه، ثم أمرهم ثانيا بأوامر وهذا معنى واضح، والثاني: أن تكون الأوامر معطوفة على المناهي داخلة تحت حكم (أن) التفسيرية، ويصح ذلك على تقدير محذوف تكون (أن) مفسرة له وللمنطوق قبله الذي دل على حذفه، والتقدير وما أمركم به فحذف وما أمركم به لدلالة ما حرم عليه لأن معنى * (ما حرم ربكم عليكم) * ما نهاكم ربكم عنه، فالمعنى قل تعالوا أتل ما نهاكم عنه ربكم (وما أمركم به) (1)، وإذا كان التقدير هكذا صح أن تكون (أن) تفسيرية لفعل النهي الدال عليه التحريم وفعل الأمر المحذوف ألا ترى أنه يجوز أن تقول: أمرتك أن لا تكرم جاهلا وأكرم عالما، (و) يجوز عطف الأمر على النهي