تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٢٣
كما اختاره أبو البقاء وغيره، وجوز السمين أن يراد بالطريق شيء مخصوص وهو العمل الصالح والاستثناء منقطع * (خ‍الدين فيهآ) * حال مقدرة من الضمير المنصوب لأن الخلود يكون بعد إيصالهم إلى جهنم، ولو قدر يقيمون خالدين لم يلتئم، وقيل: يمكن أن يستغني عن جعله حالا مقدرة بأن هذا من الدلالة الموصلة إلى جهنم، أو الدلالة إلى طريق يوصل إليها فهو حال عن المفعول باعتبار الإيصال لا الدلالة فتدبر، وقوله تعالى: * (أبدا) * نصب على الظرفية رافع احتمال أن يراد بالخلود المكث الطويل * (وكان ذالك) * أي انتفاء غفرانه وهدايته سبحانه إياهم وطرحهم في النار إلى الأبد * (على الله يسيرا) * سهلا لا صارف له عنه، وهذا تحقير لأمرهم وبيان لأنه تعالى لا يعبأ بهم ولا يبالي..
* (ياأيها الناس قد جآءكم الرسول بالحق من ربكم فاامنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما فى السم‍اوات والارض وكان الله عليما حكيما) *.
* (ي‍اا أيها الناس) * خطاب لجميع المكلفين بعد أن حكى سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم تعلل اليهود بالأباطيل واقتراحهم الباطل تعنتا، ورد جل شأنه عليهم بما رد وأكد ذلك بما أكد، وفي توجيه الخطاب إليهم وأمرهم بالإيمان مشفوعا بالوعد والوعيد بعد تنبيه على أن المحجة قد وضحت والحجة قد لزمت فلم يبق لأحد عذر في القبول، وقيل: الخطاب لأهل مكة لأن الخطاب - بيا أيها الناس - أينما وقع لهم، ولا يخفى أن التعميم أولى، وما ذكر في حيز الاستدلال وإن روى عن بعض السلف أغلبي، وقيل: هو للكفار مطلقا إبقاءا للأمر على ظاهره، ولم يحتج إلى حمله على ما يعم الأحداث والثبات.
* (قد جآءكم الرسول) * يعني به محمدا صلى الله عليه وسلم، وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة لتأكيد وجوب طاعته * (بالحق) * أي متلبسا به، وفسر بالقرآن. وبدين الإسلام. وبشهادة التوحيد، وجوز أن تكون الباء للتعدية أو للسببية متعلقة - بجاء - أي جاءكم بسبب إقامة الحق، وقوله سبحانه: * (من ربكم) * متعلق إما بالفعل أيضا، أو بمحذوف وقع حالا من (الحق)؛ أي جاءكم به من عند الله تعالى، أو كائنا منه سبحانه، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين للإيذان بأن ذلك لتربيتهم وتبليغهم إلى كمالهم اللائق بهم ترغيبا لهم في الامتثال لما بعد من الأمر كما أن في ذكر الجملة تمهيدا لما يعقبها من ذلك؛ وقيل: إنها تكرير للشهادة وتقرير للمشهود به وتمهيد لما ذكر.
* (فئامنوا) * أي بالرسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من الحق، والفاء للدلالة على إيجاب ما قبلها لما بعدها، وقوله سبحانه: * (خيرا لكم) * منصوب بفعل محذوف وجوبا تقديره وافعلوا أو ائتوا خيرا لكم، وإلى هذا ذهب الخليل وسيبويه، وذهب الفراء إلى أنه نعت لمصدر محذوف أي إيمانا خيرا لكم، وأورد عليه أنه يقتضي أن الإيمان ينقسم إلى خير وغيره ودفع بأنه صفة مؤكدة، وأن مفهوم الصفة قد لا يعتبر، وعلى القول باعتباره قد يقال: إن ذكره تعريض بأهل الكتاب فإن لهم إيمانا ببعض ما يجب الإيمان به كاليوم الآخر مثلا إلا أنه ليس خيرا حيث لم يكن على الوجه المرضي. وذهب الكسائي وأبو عبيدة إلى أنه خبر كان مضمرة، والتقدير يكن الإيمان خيرا لكم، ورد بأن كان لا تحذف مع اسمها دون خبرها إلا في مواضع اقتضته، وأن المقدر جواب شرط محذوف فيلزم حذف الشرط وجوابه إذ التقدير إن تؤمنوا يكن الإيمان خيرا، وأجيب بأن تخصيص حذف كان واسمها في مواضع لا يسلمه هذا القائل؛ وبأن لزوم حذف الشرط وجوابه مبني على أن الجزم بشرط مقدر، وإن قلنا: بأنه بنفس الأمر وأخواته كما هو مذهب لبعض النحاة لم يرد ذلك، ونقل مكي عن بعض الكوفيين أنه منصوب على
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»