مجازا عن ذلك ولو جعل عليه العلم بمعناه المصدري، والباء للملابسة ويكون تأليفه بيانا لتلبسه لا للعلم نفسه صح لكن فيه تجوز من جهة أن التأليف ليس نفس التلبس بل أثره، ويحتمل على هذا أن تكون الباء للآلية كما يقال: فعله بعلمه إذا كان متقنا وعلى ما ينبغي، فيكون وصفا للقرآن بكمال الحسن والبلاغة، وأما على الوجه الثاني والثالث فالعلم بمعناه، أو هو في الثالث بمعنى المعلوم، والظرف حال من الفاعل أو المفعول، ومتعلق العلم مختلف وهو أنك أهل لإنزاله أو مصالح العباد، وظاهر كلام البعض أنه على الثاني حال من الفاعل، وعلى الثالث من المفعول، وجوز أن يكون مفعولا مطلقا مطلقا أي إنزالا متلبسا بعلمه، وموقع الجملة على الأول موقع الجملة المفسرة لأنه بيان للشهادة على ما نص عليه الزمخشري، وعلى الوجهين موقع التقرير والبيان للصلة، وقيل: إنها في الأوجه الثلاثة كالتفسير - لأنزل إليك - لأنها بيان لإنزاله على وجه مخصوص، وأما على الوجه الرابع فقد ضمن العلم بمعنى الرقيب والحافظ، والظرف حال من الفاعل، ويكون * (أنزله) * تكريرا ليعلق به ما علق أو كما قيل، ولم يعتبر بعضهم هذا الوجه لأنه لا مساس له بهذا المقام، وقيل: إن فيه تعظيما لأمر القرآن بحفظه من شياطين الجن المشعر بحفظه أيضا من شياطين الإنس فتكون الجملة حينئذ كالتفسير للشهادة أيضا، وقرىء نزله.
* (والملائكة يشهدون) * أيضا بما شهد الله تعالى به لأنهم تبع له سبحانه في الشهادة، والجملة عطف على ما قبلها، وقيل: حال من مفعول * (أنزله) * أي أنزله والملائكة يشهدون بصدقه وحقيته، وجعل بعضهم شهادة الملائكة على صدقه صلى الله عليه وسلم في دعواه بإتيانهم لإعانته عليه الصلاة والسلام في القتال ظاهرين كما كان في غزوة بدر، وأيا ما كان - فيشهدون - من الشهادة، وذكر أنه على الوجه الرابع من الشهود للحفظ * (وكفى بالله شهيدا) * على ما شهد به لك حيث نصب الدليل وأوضح السبيل وأزال الشبه وبالغ في ذلك على وجه لا يحتاج معه إلى شهادة غيره عز وجل. هذا ومن باب الإشارة في الآيات: * (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول) * أي لا يحب أن يهتك العبد ستره إذا صدرت منه هفوة أو اتفقت منه كبوة * (إلا من ظلم) * (النساء: 148) أي إلا جهر من ظلمته نفسه برسوخ الملكات الخبيثة فيه فإنه مأذون له بإظهار ما فيه من تلك الملكات وعرضها على أطباء القلوب ليصفوا له دواءها، وقيل: لا يحب الله تعالى إفشاء سر الربوبية وأظهار مواهب الألوهية، أو كشف القناع من مكنونات الغيب ومصونات غيب الغيب إلا من ظلم بغلبات الأحوال وتعاقب كؤوس الجلال والجمال فاضطر إلى المقال فقال باللسان الباقي لا باللسان الفاني أنا الحق وسبحاني ما أعظم شأني، وفي تسمية تلك الغلبة ظلما خفاء لا يخفى. وفي ظاهر الآية بشارة عظيمة للمذنبين حيث بين سبحانه أنه لا يرضى بهتك الستر إلا من المظلوم فكيف يرضى سبحانه من نفسه أن يهتك ستر العاصين وليسوا بظالميه جل جلاله، وإنما ظلموا أنفهسم كما نطق بذلك الكتاب * (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض) * هؤلاء قوم احتجبوا بالجمع عن التفصيل، فأنكروا الرسل لتوهمهم وحدة منافية للكثرة وجمعا مباينا للتفصيل، ومن هنا عطلوا الشرائع وأباحوا المحرمات وتركوا الصلوات * (ويريدون أن يتخذوا بين ذلك) * أي الإيمان بالكل جمعا وتفصيلا والكفر بالكل * (سبيلا) * (النساء: 150) أي طريقا * (أولئك هم الكافرون) * المحجوبون * (حقا) * (النساء: 151) بذواتهم وصفاتهم لأن معرفتهم وهم وغلط، وتوحيدهم زندقة وضلال، ولقتل واحد منهم أنفع من قتل