رد ذلك إن شاء الله تعالى مع تحقيق هذا المبحث.
وتسمية ما يقال عند ترك الإرسال حجة مع استحالة أن يكون لأحد عليه سبحانه حجة مجاز بتنزيل المعذرة في القبول عنده تعالى بمقتضى كرمه ولطفه منزلة الحجة القاطعة التي لا مرد لها، فلا يبطل قول أهل السنة أنه لا اعتراض لأحد على الله تعالى في فعل من أفعاله بل له سبحانه أن يفعل بمن شاء ما شاء، واللام متعلقة - بأرسلنا - المقدر، أو - بمبشرين ومنذرين - على التنازع، وجوز أن تتعلق بما يدلان عليه، و * (حجة) * اسم كان وخبرها * (للناس) * و * (على الله) * حال من * (حجة) * ويجوز أن يكون الخبر * (على الله) * و * (للناس) * حال، ولا يجوز أن يتعلق على - بحجة - لأنها مصدر ومعموله لا يتقدم عليه، ومن جوزه في الظرف جوزه هنا.
وقوله تعالى: * (بعد الرسل) * - أي بعد إرسالهم وتبليغ الشريعة على ألسنتهم - ظرف لحجة، وجوز أن يكون صفة لها لأن ظرف الزمان يوصف به المصادر كما يخبر به عنها * (وكان الله عزيزا) * لا يغالب في أمر يريده. * (حكيما) * في جميع أفعاله، ومن قضية ذلك الامتناع عن إجابة مسألة المتعنتين، وقطع الحجة بإرسال الرسل وتنوع الوحي إليهم والإعجاز، وقيل: عزيزا في عقاب الكفار حكيما في الإعذار بعد تقدم الإنذار كأنه بعد أن سألوا إنزال كتاب الله تعالى..
* (لاكن الله يشهد بمآ أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا) *.
* (لاكن الله يشهد) * بتخفيف النون ورفع الجلالة. وقرأ السليمي بتشديد النون ونصب الجلالة، وهو استدراك عن مفهوم ما قبله كأنهم لما سألوه صلى الله عليه وسلم إنزال كتاب من السماء وتعنتوا ورد عليهم بقوله تعالى: * (إنا أوحينا إليك) * (النساء: 163) الخ قيل: إنهم لا يشهدون لكن الله يشهد. وحاصل ذلك إن لم تلزمهم الحجة ويشهدوا لك فالله تعالى يشهد، وقيل: إنه سبحانه لما شبه الإيحاء إليه صلى الله عليه وسلم بالإيحاء إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أوهم ذلك التشبيه مزية الإيحاء إليهم، فاستدرك عنه بأن للإيحاء إليك مزية شهادة الله تعالى * (بما أنزل إليك) * أي بحقية الذي أنزله إليك وهو القرآن، فالجار والمجرور متعلق - بيشهد - والباء صلة والمشهود به هو الحقية، ويجوز أن يكون المشهود به هو النبوة وتعلق بما أنزل تعلق الآلية أي يشهد بنبوتك بسبب ما أنزل إليك لدلالته بإعجازه على صدقك ونبوتك، ولعل مآل المعنى ومؤداه واحد فإن شهادته سبحانه بحقية ما أنزله من القرآن بإظهار المعجز المقصود منه إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم، وأخرج البيهقي في " الدلائل " وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: " دخل جماعة من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام لهم: إني والله أعلم أنكم تعلمون أني رسول الله فقالوا: ما نعلم ذلك فنزلت: * (لكن الله يشهد) * " وفي رواية ابن جرير عنه " أنه لما نزل * (إنا أوحينا إليك) * (النساء: 163) قالوا: ما نشهد لك فنزل * (لكن الله يشهد بما أنزل إليك) *، وقرىء * (أنزل) * على البناء للمفعول.
* (أنزله بعلمه) * ذكر فيه أربعة أوجه: الأول: أن يكون المعنى أنزله بعلمه الخاص به الذي لا يعلمه غيره سبحانه، وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان، واختاره جماعة من المفسرين، والثاني: أن يكون المعنى أنزله وهو عالم بأنك أهل لإنزاله إليك لقيامك فيه بالحق ودعائك الناس إليه، واختاره الطبرسي والثالث: أن يكون المعنى أنزله بما علم من مصالح العباد مشتملا عليه، والرابع: أن يكون المعنى أنزله وهو عالم به رقيب عليه حافظ له من الشياطين برصد من الملائكة، والعلم على الوجه الأول قيل: بمعنى المعلوم، والمراد به التأليف والنظم المخصوص وليس من جعل العلم