متعلق بقوله تعالى:
* (بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما) *.
* (بل رفعه الله إليه) * أي بل رفعه سبحانه إليه يقينا، ورده في " البحر " بأنه قد نص الخليل على أنه لا يعمل ما بعد بل فيما قبلها، والكلام رد وإنكار لقتله وإثبات لرفعه عليه الصلاة والسلام، وفيه تقدير مضاف عند أبي حيان أي إلى سمائه، قال: " وهو حي في السماء الثانية على ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج، وهو هنالك مقيم حتى ينزل إلى الأرض يقتل الدجال ويملؤها عدلا كما ملئت جورا ثم يحيا فيها أربعين سنة " أو تمامها من سن رفعه، وكان إذ ذاك ابن ثلاث وثلاثين سنة ويموت كما تموت البشر ويدفن في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، أو في بيت المقدس، وقال قتادة: رفع الله تعالى عيسى عليه السلام إليه فكساه الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فطار مع الملائكة فهو معهم حول العرش فصار إنسيا ملكيا سماويا أرضيا، وهذا الرفع على المختار كان قبل صلب الشبه، وفي إنجيل لوقا ما يؤيده؛ وأما رؤية بعض الحواريين له عليه السلام بعد الصلب فهو من باب تطور الروح، فإن للقدسيين قوة التطور في هذا العالم وإن رفعت أرواحهم إلى المحل الأسنى، وقد وقع التطور لكثير من أولياء هذه الأمة، وحكاياتهم في ذلك يضيق عنها نطاق الحصر.
* (وكان الله عزيزا) * لا يغالب فيما يريده * (حكيما) * في جميع أفعاله فيدخل فيه تدبيراته سبحانه في أمر عيسى عليه السلام وإلقاء الشبه على من ألقاه دخولا أوليا..
* (وإن من أهل الكتابإلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) *.
* (وإن من أهل الكتاب) * أي اليهود خاصة كما أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو هم والنصارى كما ذهب إليه كثير من المفسرين و * (إن ) * نافية بمعنى ما، وفي الجار والمجرور وجهان: أحدهما: أنه صفة لمبتدأ محذوف، وقوله تعالى: * (إلا ليؤمنن به قبل موته) * جملة قسمية، والقسم مع جوابه خبر المبتدأ ولا يرد عليه أن القسم إنشاء لأن المقصود بالخبر جوابه وهو خبر مؤكد بالقسم، ولا ينافيه كون جواب القسم لا محل له لأن ذلك من حيث كونه جوابا فلا يمتنع كونه له محل باعتبار آخر لو سلم أن الخبر ليس هو المجموع، والتقدير: وما أحد من أهل الكتاب إلا والله ليؤمنن به، والثاني: أنه متعلق بمحذوف وقع خبرا لذلك المبتدأ، وجملة القسم صفة له لا خبر، والتقدير: وإن أحد إلا ليؤمنن به كائن من أهل الكتاب ومعناه كل رجل يؤمن به قبل موته من أهل الكتاب، وهو كلام مفيد، فالاعتراض على هذا الوجه - بأنه لا ينتظم من أحد، والجار والمجرور إسناد لأنه لا يفيد - لا يفيد لحصول الفائدة بلا ريب، نعم المعنى على الوجه الأول كل رجل من أهل الكتاب يؤمن به قبل موته، والظاهر أنه المقصود، وأنه أتم فائدة، والاستثناء مفرغ من أعم الأوصاف، وأهل الكوفة يقدرون موصولا بعد إلا، وأهل البصرة يمنعون حذف الموصول وإبقاء صلته، والضمير الثاني راجع للمبتدأ المحذوف أعني أحد، والأول لعيسى عليه السلام فمفاد الآية أن كل يهودي ونصراني يؤمن بعيسى عليه السلام قبل أن تزهق روحه بأنه عبد الله تعالى ورسوله، ولا ينفعه إيمانه حينئذ لأن ذلك الوقت لكونه ملحقا بالبرزخ لما أنه ينكشف عنده لكل الحق ينقطع فيه التكليف، ويؤيد ذلك أنه قرأ أبي - ليؤمنن به قبل موتهم - بضم النون وعود ضمير الجمع لأحد ظاهر لكونه في معنى الجمع، وعوده لعيسى عليه السلام غير ظاهر.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه فسر الآية كذلك؛ فقيل له: أرأيت إن خر من فوق بيت؟ قال: يتكلم به في الهواء، فقيل: أرأيت إن ضرب عنقه؟ قال: يتلجلج بها لسانه.
وأخرج ابن المنذر أيضا عن شهر بن حوشب قال: قال لي الحجاج: يا شهر آية من كتاب الله تعالى