تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٢٧
أحدهما بطل الاتحاد، ومنهم من قال: المسيح مع اتحاد جوهره قديم من وجه. محدث من وجه.
ومن اليعقوبية من قال: إن الكلمة لم تأخذ من مريم شيئا وإنما مرت بها كمرور الماء بالميزاب، ومنهم من زعم أن الكلمة كانت تداخل جسد المسيح فتصدر عنه الآيات التي كانت تظهر عنه وتفارقه تارة فتحله الآفات والآلام، ومن النصارى من زعم أن معنى اتحاد اللاهوت بالناسوت ظهور اللاهوت على الناسوت وإن لم ينتقل من اللاهوت إلى الناسوت شيء ولا حل فيه، وذلك كظهور نقش الطابع على الشمع والصورة المرئية في المرآة، ومنهم من قال: إن الوجود والكلمة قديمان والحياة مخلوقة. ومنهم من قال إن الله تعالى واحد وسماه أبا وأن المسيح كلمة الله تعالى وابنه على طريق الاصطفاء وهو مخلوق قبل العالم وهو خالق للأشياء كلها.
وحكى المؤرخون وأصحاب النقل أن أريوس أحد كبار النصارى كان يعتقد هو وطائفته توحيد الباري ولا يشرك معه غيره ولا يرى في المسيح ما يراه النصارى بل يعتقد رسالته وأنه مخلوق بجسمه وروحه ففشت مقالته في النصرانية فتكاتبوا أو اجتمعوا بمدينة نيقية عند الملك قسطنطين وتناظروا فشرح أريوس مقالته، فرد عليه الاكصيدروس بطريق الإسكندرية وشنع على مقالته عند الملك، ثم تناظروا فطال تنازعهم فتعجب الملك من انتشار مقالتهم وكثرة اختلافهم وقام لهم البترك وأمرهم أن يبحثوا عن القول المرضي فاتفق رأيهم على شيء فحرروه وسموه بالأمانة وأكثرهم اليوم عليها، وهي نؤمن بالله تعالى الواحد الأب (صانع كل شيء) مالك كل شيء صانع ما يرى وما لا يرى، (وبالرب) الواحد (يسوع) المسيح ابن الله تعالى الواحد بكر الخلائق كلها الذي ولد من أبيه قبل العوالم كلها وليس بمصنوع، إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم؛ وخلق كل شيء الذي من أجلنا معاشر الناس، ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من روح القدس (ومريم) وصار إنسانا وحبل به وولد من مريم البتول (واتجع)، وصلب أيام فيلاطس ودفن وقام في اليوم الثالث - كما هو مكتوب - وصعد إلى السماء وجلس على يمين أبيه وهو مستعد للمجىء تارة أخرى (للقضاء) (1) بين الأموات والأحياء، ونؤمن بروح القدس الواحد روح الحق الذي يخرج من أبيه (وبعمودية) واحدة لغفران الخطايا، (وبجماعة) واحدة قدسية (مسيحية) (كاطولكية) (وبقيام أبداننا) وبالحياة الدائمة إلى أبد الآبدين انتهى.
وهذه جملة الأقاويل وما لهؤلاء الكفرة من الأباطيل وهي مع مخالفتها للعقول ومزاحمتها للأصول مما لا مستند لها ولا معول لهم فيها غير التقليد لأسلافهم والأخذ بظواهر ألفاظ لا يحيطون بها علما على أن ما سموه أمانة لا أصل له في شرع الإنجيل ولا مأخوذة من قول المسيح ولا من أقوال تلاميذه، وهو مع ذلك مضطرب متناقض متهافت يكذب بعضه بعضا ويعارضه ويناقضه، وإذ قد علمت ذلك فاستمع لما يتلى عليك في ردهم تتميما للفائدة وتأكيدا لإبطال تلك العقائد الفاسدة.
أما قولهم: بأن الله تعالى جوهر بالمعنى المذكور فلا نزاع لنا معهم فيه من جهة المعنى بل من جهة الإطلاق اللفظي سمعا، والأمر فيه هين، وأما حصرهم الأقانيم في ثلاثة؛ صفة الوجود، وصفة الحياة، وصفة العلم فباطل لأنه بعد تسليم أن صفة الوجود زائدة لو طولبوا بدليل الحصر لم يجدوا إليه سبيلا سوى قولهم: بحثنا فلم نجد غير ما ذكرناه وهو غير يقيني كما لا يخفى، ثم هو باطل بما تحقق في موضعه من وجوب صفة القدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، فإن قالوا: الأقانيم هي خواص الجوهر وصفات نفسه، ومن حكمها أن تلزم الجوهر ولا تتعداه إلى غيره وذلك متحقق في الوجود والحياة إذ لا تعلق لوجود الذات القديمة
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»