تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٦٣
بحاله ولكونه مغايرا له بالإجمال، والتفصيل يصح عطفه عليه، وفي ذكر الأحكام تفصيلا أولا، وإجمالا ثانيا وتعليلها من غير تعيين ثقة على فهم السامع بأن يلاحظها مرة بعد أخرى ويرد كل علة إلى ما يليق به ما لا يخفى من الاعتناء، وجوز أن تكون عللا لأفعال مقدرة كل فعل مع علة والتقدير - ولتكملوا العدة - أوجب عليكم عدة أيام أخر ولتكبروا الله على ما هداكم علمكم كيفية القضاء * (ولعلكم تشكرون) * رخصكم في الإفطار وإن شئت جعلتها معطوفة على علة مقدرة أي ليسهل عليكم أو لتعلموا ما تعملون ولتكملوا الخ وجعلت المجموع علة للأحكام السابقة إما باعتبار أنفسها أو باعتبار الأعلام بها فقوله: ليسهل أو لتعلموا علة لما سبق باعتبار الأعلام وما بعده علة للأحكام المذكورة كما مر، ولك أن لا تقدر شيئا أصلا وتجعل العطف على اليسر أي - ويريد بكم لتكملوا - الخ واللام زائدة مقدرة بعدها أن وزيدت كما قيل: بعد فعل الإرادة تأكيدا له لما فيها من معنى الإرادة في قولك جئتك لإكرامك، وقيل: إنها بمعنى أن كما في الرضي إلا أنه يلزم على هذا الوجه أن يكون * (ولعلكم تشكرون) * عطفا على * (يريد) * إذ لا معنى لقولنا يريد لعلكم تشكرون، وحينئذ يحصل التفكيك بين المتعاطفات وهو بعيد، ولاستلزام هذا الوجه ذلك وكثرة الحذف في بعض الوجوه السابقة وخفاء بعضها عدل بعضهم عن الجميع، وجعل الكلام من الميل مع المعنى لأن ما قبله علة للترخيص فكأنه قيل: رخص لكم في ذلك لإرادته بكم اليسر دون ولتكملوا الخ، ولا يخفى عليك ما هو الأليق بشأن الكتاب العظيم، والمراد من التكبير الحمد والثناء مجازا لكونه فردا منه ولذلك عدي بعلي، واعتبار التضمين أي لتكبروا حامدين ليس بمعتبر لأن الحمد نفس التكبير ولكونه على هذا عبادة قولية ناسب أن يعلل به الأمر بالقضاء الذي هو نعمة قولية أيضا، وأخرج ابن المنذر وغيره عن زيد بن أسلم أن المراد به التكبير يوم العيد، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه التكبير عند الإهلال، وأخرج ابن جرير عنه أنه قال: حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله تعالى حتى يفرغوا من عيدهم لأن الله تعالى يقول: * (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله) * وعلى هذين القولين لا يلائم تعليل الأحكام السابقة، و (ما) يحتمل أن تكون مصدرية وأن تكون موصولة أي الذي هداكموه أو هداكم إليه، والمراد من الشكر ما هو أعم من الثناء ولذا ناسب أن يجعل طلبه تعليلا للترخيص الذي هو نعمة فعلية. وقرأ أبو بكر عن عاصم * (ولتكملوا) * بالتشديد.
* (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون) * * (وإذا سألك عبادي) * في تلوين الخطاب مع توجيهه لسيد ذوي الألباب عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى من التشريف ورفع المحل * (عني) * أي عن قربي وبعدي إذ ليس السؤال عن ذاته تعالى. * (فإني قريب) * أي فقل لهم ذلك بأن تخبر عن القرب بأي طريق كان، ولا بد من التقدير إذ بدونه لا يترتب على الشرط، ولم يصرح بالمقدر كما في أمثاله للإشارة إلى أنه تعالى تكفل جوابهم ولم يكلهم إلى رسوله صلى الله عليه وسلم تنبيها على كمال لطفه، والقرب حقيقة في القرب المكاني المنزه عنه تعالى فهو استعارة لعلمه تعالى بأفعال العباد وأقوالهم واطلاعه على سائر أحوالهم، وأخرج سفيان بن عيينة وعبد الله بن أحمد عن أبي قال: قال المسلمون يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله الآية * (أجيب دعوة الداع إذا دعان) * دليل للقرب وتقرير له فالقطع لكمال الاتصال، وفيه وعد الداعي بالإجابة في الجملة على ما تشير إليه كلمة * (إذا) * لا كليا فلا حاجة إلى التقييد بالمشيئة المؤذن به قوله تعالى في آية أخرى: * (فيكشف ما تدعون إليه إن شاء) * (الأنعام: 41) ولا إلى أن القول بأن إجابة الدعوة غير قضاء الحاجة لأنها قوله سبحانه وتعالى: لبيك يا عبدي وهو موعود موجود لكل مؤمن يدعو ولا
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»