تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٥٨
المرض عملا بإطلاق اللفظ، وحكي أنهم دخلوا على ابن سيرين في رمضان وهو يأكل فاعتل بوجع إصبعه وهو قول للشافعية. * (أو على سفر) * أو راكب سفر مستعل عليه متمكن منه بأن اشتغل به قبل الفجر ففيه إيماء إلى أن من سافر في أثناء اليوم لم يفطر ولهذا المعنى أوثر على مسافرا، واستدل بإطلاق السفر على أن القصير وسفر المعصية مرخص للإفطار، وأكثر العلماء على تقييده بالمباح وما يلزمه العسر غالبا وهو السفر إلى المسافة المقدرة في الشرع.
* (فعدة من أيام أخر) * أي فعليه صوم عدة أيام المرض والسفر من أيام أخر إن أفطر وحذف الشرط والمضافان للعلم بهما، أما الشرط فلأن المريض والمسافر داخلان في الخطاب العام فدل على وجوب الصوم عليهما فلو لم يتقيد الحكم هنا به لزم أن يصير المرض والسفر اللذان هما من موجبات اليسر شرعا وعقلا موجبين للعسر، وأما المضاف الأول: فلأن الكلام في الصوم ووجوبه، وأما الثاني: فلأنه لما قيل - من كان مريضا أو مسافرا فعليه عدة - أي أيام معدودة موصوفة بأنها من أيام أخر علم أن المراد معدودة بعدد أيام المرض والسفر واستغنى عن الإضافة وهذا الإفطار مشروع على سبيل الرخصة فالمريض والمسافر إن شاآ صاما وإن شاآ أفطرا كما عليه أكثر الفقهاء إلا أن الإمام أبا حنيفة ومالكا قالا: الصوم أحب، والشافعي وأحمد والأوزاعي قالوا: الفطر أحب، ومذهب الظاهرية وجوب الإفطار وأنهم إذا صاما لا يصح صومهما لأنه قبل الوقت الذي يقتضيه ظاهر الآية، ونسب ذلك إلى ابن عباس، وابن عمر، وأبي هريرة، وجماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنه - وبه قال الإمامية - وأطالوا بالاستدلال على ذلك بما رووه عن أهل البيت، واستدل بالآية على جواز القضاء متتابعا ومتفرقا وأنه ليس على الفور خلافا لداود، وعلى أن من أفطر رمضان كله قضى - أياما معدودة - فلو كان تاما لم يجزه شهر ناقص أو ناقصا لم يلزمه شهر كامل خلافا لمن خالف في الصورتين، واحتج بها أيضا من قال: لا فدية مع القضاء وكذا من قال: إن المسافر إذا أقام والمريض إذا شفي أثناء النهار لم يلزمهما الإمساك بقيته لأن الله تعالى إنما أوجب عدة من أيام أخر وهما قد أفطرا فحكم الإفطار باق لهما ومن حكمه أن لا يجب أكثر من يوم ولو أمرناه بالإمساك ثم القضاء لأوجبنا بدل اليوم أكثر منه، ولا يخفى ما فيه، وقرىء (فعدة) بالنصب على أنه مفعول لمحذوف أي فليصم عدة ومن قدر الشرط هناك قدره هنا * (وعلى الذين يطيقونه) * أي وعلى المطيقين للصيام إن أفطروا. * (فدية) * أي إعطاؤها. * (طعام مسكين) * هي قدر ما يأكله كل يوم وهي نصف صاع من بر أو صاع من غيره عند أهل العراق ومد عند أهل الحجاز لكل يوم وكان ذلك في بدء الإسلام لما أنه قد فرض عليهم الصوم وما كانوا متعودين له فاشتد عليهم فرخص لهم في الإفطار والفدية، أخرج البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي والنسائي، والطبراني، وآخرون عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه عنه قال: لما نزلت هذة الآية * (وعلى الذين يطيقونه) * كان من شاء منا صام، ومن شاء أفطر ويفتدي فعل ذلك حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * (البقرة: 185)، وقرأ سعيد بن المسيب: (يطيقونه) بضم الياء الأولى وتشديد الياء الثانية، ومجاهد، وعكرمة، * (يطيقونه) * بتشديد الطاء والياء الثانية وكلتا القراءتين على صيغة المبني للفاعل على أن أصلهما يطيوقونه ويتطيوقونه من فيعل وتفيعل لا من فعل وتفعل وإلا لكان بالواو دون الياء لأنه من طوق وهو واوي، وقد جعلت الواو ياءا فيهما ثم أدغمت الياء في الياء ومعناهما يتكلفونه، وعائشة رضي الله تعالى عنها * (يطوقونه) * بصيغة المبني للمفعول من التفعيل أي يكلفونه أو يقلدونه من الطوق بمعنى الطاقة أو القلادة، ورويت الثلاث
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»