* (وكلوا واشربوا) * الخ عمدت إلى عقالين أحدهما: أسود والآخر: أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر إليهما فلا يتبين لي الأبيض من الأسود فلما أصبحت غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت فقال: " إن وسادك إذا لعريض إنما ذاك بياض النهار من سواد الليل " وفي رواية: " إنك لعريض القفا " وقيل: إن نزول الآية كان قبل دخول رمضان - وهي مبهمة - والبيان ضروري إلا أنه تأخر عن وقت الخطاب لا عن وقت الحاجة وهو لا يضر - ولا يخفى ما فيه - وقال أبو حيان: إن هذا من باب النسخ، ألا ترى أن الصحابة عملوا بظاهر ما دل عليه اللفظ ثم صار مجازا بالبيان ويرده على ما فيه أن النسخ يكون بكلام مستقل ولم يعهد نسخ هكذا.
وفي هذه الأوامر دليل على جواز نسخ السنة بالكتاب بل على وقوعه بناءا على القول بأن الحكم المنسوخ من حرمة الوقاع والأكل والشرب كانت ثابتة بالسنة، وليس في القرآن ما يدل عليها، و * (أحل) * أيضا يدل على ذلك إلا أنه نسخ بلا بدل وهو مختلف فيه، واستدل بالآية على صحة صوم الجنب لأنه يلزم من إباحة المباشرة إلى تبين الفجر إباحتها في آخر جزء من أجزاء الليل متصل بالصبح فإذا وقعت كذلك أصبح الشخص جنبا فإن لم يصح صومه لما جازت المباشرة لأن الجنابة لازمة لها ومنافي اللازم مناف للملزوم، ولا يرد خروج المني بعد الصبح بالجماع الحاصل قبله لأنه إنما يفسد الصوم لكونه مكمل الجماع فهو جماع واقع في الصبح، وليس بلازم للجماع كالجنابة، وخالف في ذلك بعضهم ومنع الصحة زاعما أن الغاية متعلقة بما عندها، واحتج بآثار صح لدى المحدثين خلافها. واستدل بها أيضا على جواز الأكل مثلا لمن شك في طلوع الفجر لأنه تعالى أباح ما أباح مغيا بتبينه ولا تبين مع الشك خلافا لمالك ومجاهد بها على عدم القضاء والحال هذه إذا بان أنه أكل بعد الفجر لأنه أكل في وقت أذن له فيه، وعن سعيد بن منصور مثله - وليس بالمنصور - والأئمة الأربعة رضي الله تعالى عنهم على أن أول النهار الشرعي طلوع الفجر فلا يجوز فعل شيء من المحظورات بعده وخالف في ذلك الأعمش ولا يتبعه إلا الأعمى، فزعم أن أوله طلوع الشمس كالنهار العرفي وجوز فعل المحظورات بعد طلوع الفجر، وكذا الإمامية وحمل * (من الفجر) * على التبعيض وإرادة الجزء الأخير منه والذي دعاه لذلك خبر " صلاة النهار عجماء " وصلاة الفجر ليست بها فهي في الليل، وأيده بعضهم بأن شوب الظلمة بالضياء كما أنه لم يمنع من الليليلة بعد غروب الشمس ينبغي أن لا يمنع منها قبل طلوعها وتساوي طرفي الشيء مما يستحسن في الحكمة وإلى البدء يكون العود، وفيه أن النهار في الخبر بعد تسليم صحته يحتمل أن يكون بالمعنى العرفي ولو أراده سبحانه وتعالى في هذا الحكم لقال: وكلوا واشربوا إلى النهار ثم أتموا الصيام إلى اليل مع أنه أخصر وأوفق مما عدل إليه فحيث لم يفعل فهم أن الأمر مربوط بالفجر لا بطلوع الشمس سواء عد ذلك نهارا أم لا، وما ذكر من استحسان تساوي طرفي الشيء مع كونه - مما لا يسمن ولا يغني من جوع - في هذا الباب يمكن معارضته بأن جعل أول النهار كأول الليل وهما متقابلان مما يدل على عظم قدرة الصانع الحكيم وإلى الانتهاء غاية الإتمام، ويجوز أن يكون حالا من الصيام فيتعلق بمحذوف ولا يجوز جعله غاية للإيجاب لعدم امتداده، وعلى التقديرين تدل الآية على نفي كون الليل محل الصوم وأن يكون صوم اليومين صومة واحدة، وقد استنبط النبي صلى الله عليه وسلم منها حرمة الوصال كما قيل، فقد روى أحمد من طريق ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعني بشير وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: يفعل ذلك النصارى ولكن صوموا كما أمركم الله تعالى، وأتموا الصيام إلى الليل فإذا كان الليل فافطروا، ولا تدل الآية على أن لا يجوز الصوم حتى يتخلل الإفطار خلافا لزاعمه،