تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٦٢
الصوم على من شك في الهلال وإنما قدر المضاف لأن شهود الشهر بتمامه إنما يكون بعد انقضائه ولا معنى لترتب وجوب الصوم فيه بعد انقضائه وعليه يكون قوله تعالى: * (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * مخصصا بالنظر إلى المريض والمسافر كليهما، وعلى الأول: مخصص بالنظر إلى الأول دون الثاني وتكريره حينئذ لذلك التخصيص أو لئلا يتوهم نسخه كما نسخ قرينه والأول كما قيل على رأي من شرط في المخصص أن يكون متراخيا موصولا، والثاني: على رأي من جوز كونه متقدما وهذا بجعل المخصص هو الآية السابقة، و (ما) هنا لمجرد دفع التوهم ورجح المعنى الأول من المعنيين بعدم الاحتياج إلى التقدير وبأن الفاء في * (فمن شهد) * عليه وقعت في مخرها مفصلة لما أجمل في قوله تعالى: * (شهر رمضان) * من وجوب التعظيم المستفاد مما في أثره على كل من أدركه ومدركه إما حاضر أو مسافر فمن كان حاضرا فحكمه كذا الخ ولا يحسن أن يقال من علم الهلال فليصم ومن كان مريضا أو على سفر فليقض لدخول القسم الثاني في الأول والعاطف التفصيلي يقتضي المغايرة بينهما كذا قيل، لكن ذكر المريض يقوي كونه مخصصا لدخوله فيمن شهد على الوجهين، ولذا ذهب أكثر النحويين إلى أن الشهر مفعول به - فالفاء - للسببية أو للتعقيب لا للتفصيل.
* (يريد الله) * بهذا الترخيص * (بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * لغاية رأفته وسعة رحمته، واستدل المعتزلة بالآية على أنه قد يقع من العبد ما لا يريده الله تعالى وذلك لأن المريض والمسافر إذا صاما حتى أجهدهما الصوم فقد فعلا خلاف ما أراد الله تعالى لأنه أراد التيسير ولم يقع مراده، ورد بأن الله تعالى أراد التيسير وعدم التعسير في حقهما بإباحة الفطر، وقد حصل بمجرد الأمر بقوله عز شأنه: * (فعدة من أيام أخر) * من غير تخلف، وفي " البحر " تفسير الإرادة هنا بالطلب، وفيه أنه التزام لمذهب الاعتزال من أن إرادته تعالى لأفعال العباد عبارة عن الأمر وأنه تعالى ما طلب منا اليسر بل شرعه لنا، وتفسير اليسر بما يسر بعيد، وقرأ أبو جعفر (اليسر) و (العسر) بضمتين.
* (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) * علل لفعل محذوف دل عليه * (فمن شهد منكم الشهر) * الخ أي وشرع لكم جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر المستفاد من قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وأمر المرخص له بالقضاء كيفما كان متواترا أو متفرقا وبمراعاة عدة ما أفطره من غير نقصان فيه المستفادين من قوله سبحانه وتعالى: * (فعدة من أيام أخر) * ومن الترخيص المستفاد من قوله عز وجل: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * أو من قوله تعالى: * (فعدة) * الخ - لتكملوا - الخ والأول علة الأمر بمراعاة عدة الشهر بالأداء في حال شهود الشهر، وبالقضاء في حال الإفطار بالعذر فيكون علة لمعللين أي أمرناكم بهذين الأمرين لتكملوا عدة الشهر بالأداء والقضاء فتحصلوا خيراته ولا يفوتكم شيء من بركاته نقصت أيامه أو كملت * (ولتكبروا الله) * علة الأمر بالقضاء وبيان كيفيته * (ولعلكم تشكرون) * علة الترخيص والتيسير، وتغيير الأسلوب للإشارة إلى أن هذا المطلوب بمنزلة المرجو لقوة الأسباب المتآخذة في حصوله وهو ظهور كون الترخيص نعمة، والمخاطب موقن بكمال رأفته وكرمه مع عدم فوات بركات الشهر، وهذا نوع من اللف لطيف المسلك قلما يهتدى إليه لأن مقتضى الظاهر ترك الواو لكونها عللا لما سبق، ولذا قال من لم يبلغ درجة الكمال: إنها زائدة أو عاطفة على علة مقدرة ووجه اختياره أما على الأول: فظاهر، وأما على الثاني: فلما فيه من مزيد الاعتناء بالأحكام السابقة مع عدم التكلف لأن الفعل المقدر لكونه مشتملا على ما سبق إجمالا يكون ما سبق قرينة عليه مع بقاء التعليل
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»