تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٧٤
عنه - ويعدون فعلهم ذلك برا - فبين لهم أنه ليس ببر * (ول‍اكن البر من اتق‍اى) * أي - بر من اتقى - المحارم والشهوات، أو لكن ذا البر أو البار من اتقى والظاهر أن جملة النفي معطوفة على مقول - قل - فلا بد من الجامع بينهما فأما أن يقال: إنهم سألوا عن الأمرين كيف ما اتفق، فجمع بينهما في الجواب بناءا على الاجتماع الاتفاقي في السؤال، والأمر الثاني: مقدر إلا أنه ترك ذكره إيجازا واكتفاءا بدلالة الجواب عليه، وإيذانا بأن هذا الأمر مما لا ينبغي أن يقع فيحتاج إلى السؤال عنه، أو يقال: إن السؤال واقع عن الأهلة فقط وهذا مستعمل إما على الحقيقة مذكور للاستطراد حيث ذكر - مواقيت الحج - والمذكور أيضا من أفعالهم فيه إلا الخمس، أو للتنبيه على أن اللائق بحالهم أن يسألوا عن أمثال هذا الأمر، ولا يتعرضوا بما لا يهمهم عن أمر الأهلة وإما على سبيل الاستعارة التمثيلية بأن يكون قد شبه حالهم في سؤالهم عما لا يهم، وترك المهم بحال من ترك الباب وأتى من غير الطريق للتنبيه على تعكيسهم الأمر في هذا السؤال، فالمعنى: وليس البر بأن تعكسوا مسائلكم ولكن البر من اتقى ذلك ولم يجبر على مثله، وجوز أن يكون العطف على قوله سبحانه: * (يسألونك) * والجامع بينهما أن الأول: قول لا ينبغي، والثاني: فعل لا ينبغي وقعا من الأنصار على ما تحكيه بعض الروايات.
* (وأتوا البيوت من أبوابها) * إذ ليس في العدول برا وباشروا الأمور عن وجوهها، والجملة عطف على * (وليس البر) * إما لأنه في تأويل - لا تأتوا البيوت من ظهورها - أو لكونه مقول القول، وعطف الإنشاء على الإخبار جائز فيما له محل من الإعراب سيما بعد القول، وقرأ ابن كثير، وكثير بكسر باء البيوت حيثما وقع * (واتقوا الله) * في تغيير أحكامه - كإتيان البيوت من أبوابها - والسؤال عما لا يعني، ومن الحكم والمصالح المودعة في مصنوعاته تعالى بعد العلم بأنه أتقن كل شيء، أو في جميع أموركم. * (لعلكم تفلحون) * أي لكي تفوزوا بالمطلوب من الهدى والبر، فإن من اتقى الله تعالى تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه؛ وانكشفت له دقائق الأسرار حسب تقواه.
* (وق‍اتلوا في سبيل الله الذين يق‍اتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) * * (وق‍اتلوا في سبيل الله) * أي جاهدوا لإعزاز دين الله تعالى وإعلاء كلمته - فالسبيل - بمعنى الطريق مستعار لدين الله تعالى وكلمته لأنه يتوصل المؤمن به إلى مرضاته تعالى، والظرفية التي هي مدلولة في ترشيح للاستعارة * (الذين يق‍اتلونكم) * أي يناجزونكم القتال من الكفار، وكان هذا - على ما روي عن أبي العالية - قبل أن أمروا بقتال المشركين كافة - المناجزين والمحاجزين - فيكون ذلك حينئذ تعميما بعد التخصيص المستفاد من هذا الأمر مقررا لمنطوقه ناسخا لمفهومه - أي لا تقاتلوا المحاجزين - وكذا المنطوق في النهي الآتي فإنه على هذا الوجه مشتمل على النهي عن قتالهم أيضا. وقيل: معناه الذين يناصبونكم القتال، ويتوقع منهم ذلك دون غيرهم عن المشايخ، والصبيان والنساء والرهبان فتكون الآية مخصصة لعموم ذلك الأمر مخرجة لمن لم يتوقع منهم وقيل: المراد ما يعم سائر الكفار فإنهم بصدد قتال المسلمين وقصده فهم في حكم المقاتلة قاتلوا أو لم يقاتلوا، ويؤيد الأول ما أخرجه أبو صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت عام الحديبية وصالحوه على أن يرجع عامه القابل ويخلوا له مكة ثلاثة أيام فيطوف بالبيت ويفعل ما شاء فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لعمرة القصاء وخافوا أن لا تفي
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»