الجماع فقصرت المسافة، وإيثاره ههنا على ما كنى به عنه في جميع القرآن من التغشية والمباشرة واللمس والدخول ونحوها استقباحا لما وجد منهم قبل الإباحة، ولذا سماه اختيانا فيما بعد، والنساء جمع نسوة فهو جمع الجمع أو جمع امرأة على غير اللفظ وإضافتها إلى ضمير المخاطبين للاختصاص إذ لا يحل الإفضاء إلا لمن اختص بالمفضي إما بتزويج أو ملك، وقرأ عبد الله (الرفوث).
* (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) * أي هن سكن لكم وأنتم سكن لهن قاله ابن عباس حين سأله نافع بن الأزرق وأنشد رضي الله تعالى عنهما لما قال له: هل تعرف العرب ذلك؟ قول الذبياني: إذا ما الضجيع ثنى عطفه * تثنت عليه فكانت (لباسا) ولما كان الرجل والمرأة يتعانقان ويشتمل كل منهما على صاحبه شبه كل واحد بالنظر إلى صاحبه باللباس أو لأن كل واحد منهما يستر صاحبه ويمنعه عن الفجور، وقد جاء في الخبر " من تزوج فقد أحرز ثلثي دينه " والجملتان مستأنفتان استئنافا نحويا والبياني يأباه الذوق، ومضمونهما بيان لسبب الحكم السابق وهو قلة الصبر عنهن كما يستفاد من الأولى، وصعوبة اجتنابهن كما تفيده الثانية - ولظهور احتياج الرجل إليهن وقلة صبره - قدم الأولى، وفي الخبر " لا خير في النساء ولا صبر عنهن يغلبن كريما ويغلبهن لئيم وأحب أن أكون كريما مغلوبا ولا أحب أن أكون لئيما غالبا ".
* (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) * جملة معترضة بين قوله تعالى: * (أحل) * الخ وبين ما يتعلق به أعني * (فالآن) * الخ لبيان حالهم بالنسبة إلى ما فرط منهم قبل الإحلال، ومعنى * (علم) * تعلق علمه، و - الاختيان - تحرك شهوة الإنسان لتحري الخيانة أو الخيانة البليغة فيكون المعنى تنقصون أنفسكم تنقيصا تاما بتعريضها للعقاب وتنقيص حظها من الثواب، ويؤول إلى معنى تظلمونها بذلك، والمراد الاستمرار عليه فيما مضى قبل إخبارهم بالحال كما ينبىء عنه صيغتا الماضي والمضارع وهو متعلق العلم، وما تفهمه الصيغة الأولى من تقدم كونهم على الخيانة على العلم يأبى حمله على الأزلي الذاهب إليه البعض.
* (فتاب عليكم) * عطف على * (علم) * والفاء لمجرد التعقيب، والمراد قبل توبتكم حين تبتم عن المحظور الذي ارتكبتموه * (وعقا عنكم) * أي محا أثره عنكم وأزال تحريمه، وقيل: الأول لإزالة التحريم وهذا لغفران الخطيئة * (فالان) * مرتب على قوله سبحانه وتعالى: * (أحل لكم) * نظرا إلى ما هو المقصود من الإحلال وهو إزالة التحريم أي حين نسخ عنكم تحريم القربان وهو ليلة الصيام كما يدل عليه الغاية الآتية فإنها غاية للأوامر الأربعة التي هذا ظرفها، والحضور المفهوم منه بالنظر إلى فعل نسخ التحريم وليس حاضرا بالنظر إلى الخطاب بقوله تعالى: * (باشروهن) *، وقيل: إنه وإن كان حقيقة في الوقت الحاضر إلا أنه قد يطلق على المستقبل القريب تنزيلا له منزلة الحاضر وهو المراد هنا أو إنه مستعمل في حقيقته والتقدير قد أبحنا لكم مباشرتهن، وأصل المباشرة إلزاق البشرة بالبشرة وأطلقت على الجماع للزومها لها.
* (وابتغوا ما كتب الله لكم) * أي اطلبوا ما قدره الله تعالى لكم في اللوح من الولد، وهو المروي عن ابن عباس. والضحاك. ومجاهد. رضي الله تعالى عنهم وغيرهم. والمراد الدعاء بطلب ذلك بأن يقولوا: اللهم ارزقنا ما كتبت لنا، وهذا لا يتوقف على أن يعلم كل واحد أنه قدر له ولد، وقيل: المراد ما قدره لجنسكم والتعبير بما نظرا إلى الوصف كما في قوله تعالى: * (والسماء وما بناها) * (الشمس: 5) وفي الآية دلالة على أن المباشر ينبغي أن يتحرى بالنكاح حفظ النسل - لا قضاء الشهوة فقط - لأنه سبحانه وتعالى جعل لنا شهوة الجماع لبقاء نوعنا إلى