نعم استدل بها على صحة نية رمضان في النهار، وتقرير ذلك أن قوله تعالى: * (ثم أتموا) * الخ معطوف على قوله: * (باشروهن) * إلى قوله سبحانه: * (حتى يتبين) * وكلمة * (ثم) * للتراخي والتعقيب بمهلة - واللام - في (الصيام) للعهد على ما هو الأصل، فيكون مفاد * (ثم أتموا) * الخ الأمر - بإتمام الصيام - المعهود أي الإمساك المدلول عليه بالغاية سواء فسر بإتيانه تاما، أو بتصييره كذلك متراخيا عن الأمور المذكورة المنقضية بطلوع الفجر تحقيقا لمعنى (ثم) فصارت نية الصوم بعد مضي جزء من الفجر لأن قصد الفعل إنما يلزمنا حين توجه الخطاب، وتوجهه - بالإتمام - بعد الفجر لأنه بعد الجزء الذي هو غاية لانقضاء الليل تحقيقا لمعنى التراخي، والليل لا ينقضي إلا متصلا بجزء من الفجر، فتكون النية بعد مضي جزء الفجر الذي به انقطع الليل، وحصل فيه الإمساك المدلول عليه بالغاية، فإن قيل: لو كان كذلك وجب وجوب النية بعد المضي، أجيب بأن ترك ذلك بالإجماع، وبأن إعمال الدليلين - ولو بوجه - أولى من إهمال أحدهما، فلو قلنا بوجوب النية كذلك عملا بالآية بطل العمل بخبر " لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل " ولو قلنا باشتراط النية قبله عملا بالخبر بطل العمل بالآية، فقلنا بالجواز عملا بهما، فإن قيل: مقتضى الآية - على ما ذكر - الوجوب وخبر الواحد لا يعارضها، أجيب بأنها متروكة الظاهر بالإجماع فلم تبق قاطعة - فيجوز أن يكون الخبر بيانا لها - ولبعض الأصحاب تقرير الاستدلال بوجه آخر، ولعل ما ذكرناه أقل مؤنة فتدبر. وزعم بعض الشافعية أن الآية تدل على وجوب التبييت، لأن معنى * (ثم أتموا) * صيروه تاما بعد الانفجار، وهو يقتضي الشروع فيه قبله - وما ذاك إلا بالنية - إذ لا وجوب للإمساك قبل، ولا يخفى ما فيه.
* (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * أي معتكفون فيها - والاعتكاف - في اللغة الاحتباس واللزوم مطلقا، ومنه قوله: فباتت بنات الليل حولي - عكفا - * - عكوف - بواكي حولهن صريع وفي الشرع لبث مخصوص، والنهي عطف على أول الأوامر - والمباشرة فيه كالمباشرة فيه - وقد تقدم أن المراد بها الجماع، إلا أنه لزم من إباحة الجماع إباحة اللمس والقبلة وغيرهما بخلاف النهي فإنه - لا يستلزم النهي عن الجماع - النهي عنهما، فهما إما مباحان اتفاقا بأن يكونا بغير شهوة، وإما حرامان بأن يكونا بها يبطل الاعتكاف ما لم ينزل وصحح معظم أصحاب الشافعي البطلان - وقيل: المراد من - المباشرة - ملاقاة البشرتين، ففي الآية منع عن مطلق المباشرة - وليس بشيء - فقد كانت عائشة رضي الله تعالى عنها ترجل رأس النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، وفي تقييد - الاعتكاف بالمساجد - دليل على أنه لا يصح إلا في المسجد إذ لو جاز شرعا في غيره لجاز في البيت - وهو باطل بالإجماع - ويختص بالمسجد الجامع عند الزهري، وروي عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه مختص بمسجد له إمام ومؤذن راتب، وقال حذيفة رضي الله تعالى عنه: يختص بالمساجد الثلاث، وعن علي كرم الله تعالى وجهه لا يجوز إلا في المسجد الحرام، وعن ابن المسيب لا يجوز إلا فيه أو في المسجد النبوي، ومذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه يصح في جميع المساجد مطلقا بناءا على عموم اللفظ وعدم اعتبار أن المطلق ينصرف إلى الكامل، واستدل بالآية على صحة اعتكاف المرأة في غير المسجد بناءا على أنها لا تدخل في خطاب الرجال، وعلى اشتراط الصوم في الاعتكاف لأنه قصر الخطاب على الصائمين، فلو لم يكن الصوم من شرطه لم يكن لذلك معنى، وهو المروي عن نافع مولى ابن عمر، وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وعلى أنه لا يكفي فيه أقل من يوم - كما أن الصوم لا يكون كذلك - والشافعي رضي الله