تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٥٩
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أيضا، وعنه * (يتطوقونه) * بمعنى يتكلفونه أو يتقلدونه ويطوقونه - بإدغام التاء في الطاء - وذهب إلى عدم النسخ - كما رواه البخاري، وأبو داود وغيرهما - وقال: إن الآية نزلت في الشيخ الكبير الهرم، والعجوز الكبيرة الهرمة. ومن الناس من لم يقل بالنسخ أيضا على القراءة المتواترة وفسرها بيصومونه جهدهم وطاقتهم، وهو مبني على أن - الوسع - اسم للقدرة على الشيء على وجه السهولة - والطاقة - اسم للقدرة مع الشدة والمشقة، وفيصير المعنى: وعلى الذين يصومونه مع الشدة والمشقة فيشمل نحو الحبلى والمرضع أيضا، وعلى أنه من أطاق الفعل بلغ غاية طوقه أو فرغ طوقه فيه، وجاز أن تكون - الهمزة - للسلب كأنه سلب طاقته بأن كلف نفسه المجهود فسلب طاقته عند تمامه، ويكون مبالغة في بذل المجهود لأنه مشارف لزوال ذلك - كما في " الكشف " - والحق أن كلا من القراآت يمكن حملها على ما يحتمل النسخ وعلى ما لا يحتمله، - ولكل ذهب بعض - وروي عن حفصة أنها قرأت * (وعلى الذين لا يطيقونه) * وقرأ نافع، وابن عامر بإضافة (فدية) إلى - الطعام وجمع المسكين - والإضافة حينئذ من إضافة الشيء إلى جنسه - كخاتم فضة - لأن طعام المسكين يكون فدية وغيرها، وجمع المسكين لأنه جمع في * (وعلى الذين يطيقونه) * فقابل الجمع بالجمع، ولم يجمع (فدية) لأنها مصدر - والتاء فيها للتأنيث لا للمرة - ولأنه لما أضافها إلى مضاف إلى الجمع فهم منها الجمع.
* (فمن تطوع خيرا) * بأن زاد على القدر المذكور في - الفدية - قال مجاهد: أو زاد على عدد من يلزمه إطعامه فيطعم مسكينين فصاعدا - قاله ابن عباس - أو جمع بين الإطعام والصوم - قاله ابن شهاب -. * (فهو خير له) * أي التطوع أو الخير الذي تطوعه، وجعل بعضهم الخير الأول مصدر - خرت يا رجل وأنت خائر - أي حسن، والخير الثاني اسم تفضيل - فيفيد الحمل أيضا بلا مرية - وإرجاع الضمير إلى (من) أي فالمتطوع خير من غيره لأجل التطوع لا يخفى بعده * (وأن تصوموا) * أي أيها المطيقون المقيمون الأصحاء، أو المطوقون من الشيوخ والعجائز، أو المرخصون في الإفطار من الطائفتين، والمرضى والمسافرين، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب جبرا لكلفة الصوم بلذة المخاطبة، وقرأ أبي (والصيام خير لكم) من الفدية أو تطوع الخير على الأولين، أو منهما ومن التأخير للقضاء على الأخير * (إن كنتم تعلمون) * ما في الصوم من الفضيلة، وجواب * (إن) * محذوف ثقة بظهوره - أي اخترتموه - وقيل: معناه إن كنتم من أهل العلم علمتم أن الصوم خير لكم من ذلك، وعليه تكون الجملة تأكيدا لخيرية الصوم وعلى الأول تأسيسا.
* (شهر رمضان الذىأنزل فيه القرآن هدى للناس وبين‍ات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) * * (شهر رمضان) * مبتدأ خبره الموصول بعده، ويكون ذكر الجملة مقدمة لفرضية صومه بذكر فضله، أو * (فمن شهد) * والفاء لتضمنه معنى الشرط لكونه موصوفا بالموصول، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلكم الوقت الذي كتب عليكم الصيام فيه، أو المكتوب شهر رمضان، أو بدل من الصيام بدل كل بتقدير مضاف، أي كتب عليكم الصيام صيام شهر رمضان، وما تخلل بينهما من الفصل متعلق ب * (كتب) * (البقرة: 183) لفظا أو معنى فليس بأجنبي مطلقا، وإن اعتبرته بدل اشتمال استغنيت عن التقدير، إلا أن كون الحكم السابق - وهو فرضية الصوم - مقصودا بالذات، وعدم كون ذكر المبدل منه مشوقا إلى ذكر البدل يبعد ذلك، وقرىء * (شهر) * بالنصب على أنه مفعول لصوموا محذوفا؛ وقيل: إنه مفعول * (وأن تصوموا) * (البقرة: 184) وفيه لزوم الفصل بين أجزاء المصدرية
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»