تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٦٠
بالخبر، وجوز أن يكون مفعول * (تعلمون) * (البقرة: 184) بتقدير مضاف - أي شرف شهر رمضان ونحوه - وقيل: لا حاجة إلى التقدير، والمراد: إن كنتم تعلمون نفس الشهر ولا تشكون فيه، وفيه إيذان بأن الصوم لا ينبغي مع الشك - وليس بشيء كما لا يخفى - والشهر المدة المعينة التي ابتداؤها رؤية الهلال، ويجمع في القلة على أشهر، وفي الكثرة على شهور، وأصله من شهر الشيء أظهره، وهو - لكونه ميقاتا للعبادات والمعاملات - صار مشهورا بين الناس، و * ((مضان) مصدر رمض - بكسر العين - إذا احترق، وفي " شمس العلوم " من المصادر التي يشترك فيها الأفعال فعلان - بفتح الفاء والعين - وأكثر ما يجيء بمعنى المجيء والذهاب والاضطراب - كالخفقان والعسلان واللمعان - وقد جاء لغير المجيء والذهاب كما في - شنآنا إذا بغضته - فما في " البحر " من أن كونه مصدرا يحتاج إلى نقل - فإن فعلانا ليس مصدر فعل اللازم - فإن جاء شيء منه كان شاذا، فالأولى أن يكون مرتجلا لا منقولا ناشيء عن قلة الاطلاع، والخليل يقول: إن من الرمض - مسكن الميم - وهو مطر يأتي قبل الخريف يظهر وجه الأرض عن الغبار، وقد جعل مجموع المضاف والمضاف إليه علما للشهر المعلوم، ولولا ذلك لم يحسن إضافة (شهر) إليه كما لا يحسن - إنسان زيد - وإنما تصح إضافة العام إلى الخاص إذا اشتهر كون الخاص من أفراده، ولهذا لم يسمع شهر رجب وشهر شعبان، وبالجملة فقد أطبقوا على أن العلم في ثلاثة أشهر مجموع المضاف والمضاف إليه شهر رمضان، وشهر ربيع الأول وشهر ربيع الثاني، وفي البواقي لا يضاف شهر إليه، وقد نظم ذلك بعضهم فقال: ولا تضف شهرا إلى اسم شهر * إلا لما أوله - الرا - فادر واستثن منها رجبا فيمتنع * لأنه فيما رووه ما سمع ثم في الإضافة يعتبر في أسباب منع الصرف وامتناع - اللام - ووجوبها حال المضاف إليه فيمتنع في مثل * (شهر رمضان) * وابن داية من الصرف ودخول - اللام - وينصرف في مثل شهر ربيع الأول - وابن عباس - ويجب - اللام - في مثل - امرىء القيس - لأنه وقع جزءا حال تحليته باللام، ويجوز في مثل - ابن عباس - أما دخلوه فللمح الأصل، وأما عدمه فلتجرده في الأصل، وعلى هذا فنحو من صام رمضان من حذف جزء العلم لعدم الالباس - كذا قيل - وفيه بحث - أما أولا: لأن إضافة العام إلى الخاص مرجعها إلى الذوق، ولهذا تحسن تارة كشجر الأراك، وتقبح أخرى - كإنسان زيد - وقبحها في * (شهر رمضان) * لا يعرفه إلا من تغير ذوقه من أثر الصوم، وأما ثانيا: فإن قولهم: لم يسمع شهر رجب الخ، مما سمع بين المتأخرين - ولا أصل له - ففي " شرح التسهيل " جواز إضافة (شهر) إلى جميع أسماء الشهور - وهو قول أكثر النحويين - فادعاء الأطباق غير مطبق عليه، ومنشأ غلط المتأخرين ما في - " أدب الكاتب " - من أنه اصطلاح الكتاب، قال: لأنهم لما وضعوا التاريخ في زمن عمر رضي الله تعالى عنه وجعلوا أول السنة المحرم، فكانوا لا يكتبون في تواريخهم شهرا إلا مع رمضان والربيعين، فهو أمر اصطلاحي - لا وضعي لغوي - ووجه في (رمضان) موافقة القرآن، وفي ربيع الفصل عن الفصل، ولذا صحح سيبويه جواز إضافة الشهر إلى جميع أسماء الشهور، وفرق بين ذكره وعدمه بأنه حيث ذكر لم يفد العموم - وحيث حذف أفاده - وعليه يظهر الفرق بين - إنسان زيد - و * (شهر رمضان) * ولا يغم هلال ذلك. وأما ثالثا: فلأن قوله: (ثم) في الإضافة الخ، مما صرح النحاة بخلافه، فإن - ابن داية - سمع منعه وصرفه كقوله:
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»