قريب من النكرة.
* (لعلكم تتقون) * أي كي تحذروا المعاصي فإن الصوم يعقم الشهوة التي هي أمها أو يكسرها. فقد أخرج البخاري، ومسلم في " صحيحيهما " عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: " قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " ويحتمل أن يقدر المفعول الاخلال بأدائه، وعلى الأول: يكون الكلام متعلقا بقوله: * (كتب) * من غير نظر إلى التشبيه، وعلى الثاني: بالنظر إليه أي كتب عليكم مثل ما كتب على الأولين لكي - تتقوا - الإخلال بأدائه بعد العلم بأصالته وقدمه ولا حاجة إلى تقدير محذوف أي أعلمتكم الحكم المذكور لذلك - كما قيل به - وجوز أن يكون الفعل منزلا منزل اللازم أي لكي تصلوا بذلك إلى رتبة التقوى.
* (أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) * * (أياما معدودات) * أي معينات بالعد أو قليلات لأن القليل يسهل عده فيعد والكثير يؤخذ جزافا قال مقاتل: كل معدودات في القرآن أو - معدودة - دون الأربعين ولا يقال ذلك لما زاد، والمراد بهذه الأيام إما رمضان واختار ذلك ابن عباس والحسن وأبو مسلم رضي الله تعالى عنه وأكثر المحققين - وهو أحد قولي الشافعي - فيكون الله سبحانه وتعالى قد أخبر أولا أنه كتب علينا الصيام ثم بينه بقوله عز وجل: * (أياما معدودات) * فزال بعض الإبهام ثم بينه بقوله عز من قائل: * (شهر رمضان) * (البقرة: 185) توطينا للنفس عليه، واعترض بأنه لو كان المراد ذلك لكان ذكر المريض والمسافر تكرارا، وأجيب بأنه كان في الابتداء صوم رمضان واجبا على التخيير بينه وبين الفدية فحين نسخ التخيير وصار واجبا على التعيين كان مظنة أن يتوهم أن هذا الحكم يعم الكل حتى يكون المريض والمسافر فيه كالمقيم والصحيح فأعيد حكمهما تنبيها على أن رخصتهما باقية بحالها لم تتغير كما تغير حكم المقيم والصحيح؛ وأما ما وجب صومه قبل وجوبه وهو ثلاثة أيام من كل شهر - وهي أيام البيض - على ما روى عن عطاء ونسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنه، أو ثلاثة من كل شهر ويوم عاشوراء على ما روي عن قتادة، واتفق أهل هذا القول على أن هذا الواجب قد نسخ بصوم رمضان، واستشكل بأن فرضيته إنما ثبتت بما في هذه الآية فإن كان قد عمل بذلك الحكم مدة مديدة - كما قيل به - فكيف يكون الناسخ متصلا وإن لم يكن عمل به لا يصح النسخ إذ لا نسخ قبل العمل؟ وأجيب أما على اختيار الأول فبأن الاتصال في التلاوة لا يدل على الاتصال في النزول، وأما على اختيار الثاني فبأن الأصح جواز النسخ قبل العمل فتدبر.
وانتصاب * (أياما) * ليس بالصيام كما قيل لوقوع الفصل بينهما بأجنبي بل بمضمر دل هو عليه أعني صوموا إما على الظرفية أو المفعولية اتساعا، وقيل: منصوب بفعل يستفاد من كاف التشبيه، وفيه بيان لوجه المماثلة كأنه قيل: كتب عليكم الصيام مماثلا لصيام الذين من قبلكم في كونه أياما معدودات أي المماثلة واقعة بين الصيامين من هذا الوجه وهو تعلق كل منهما بمدة غير متطاولة، فالكلام من قبيل زيد كعمرو " فقها "، وقيل: نصب على أنه مفعول ثان - لكتب - على الاتساع ورده في " البحر " بأن الاتساع مبني على جواز وقوعه ظرفا - لكتب - وذا لا يصح لأن الظرف محل الفعل، والكتابة ليست واقعة في الأيام وإنما الواقع فيها متعلقها وهو الصيام، وأجيب بأنه يكفي للظرفية ظرفية المتعلق كما في * (يعلم ما في السموات والأرض) * (التغابن: 4) وبأن معنى: * (كتب) * فرض، وفرضية الصيام واقعة في الأيام * (فمن كان منكم مريضا) * مرضا يعسر عليه الصوم معه كما يؤذن به قوله تعالى فيما بعد: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * (البقرة: 185) وعليه أكثر الفقهاء، وذهب ابن سيرين وعطاء والبخاري إلى أن المرخص مطلق