الباقي مالا وإن لم يرض القاتل، وأيضا الآية نزلت في الصلح وهو الموافق للأم فإن عفا إذا استعملت بها كان معناها البدل أي فمن أعطي له من جهة أخيه المقتول شيء من المال بطريق الصلح فلمن أعطى وهو الولي مطالبة البدل عن مجاملة وحسن معاملة إلا أن يقال: إنها نزلت في - العفو - كما هو ظاهر اللفظ، وبه قال أكثر المفسرين.
* (ذالك) * أي الحكم المذكور في ضمن بيان العفو والدية * (تخفيف من ربكم ورحماة) * لما في شرعية العفو تسهيل على القاتل، وفي شرعية - الدية - نفع لأولياء المقتول، وعن مقاتل أنه كتب على اليهود القصاص وحده، وعلى النصارى - العفو - مطلقا، وخير هذه الأمة بين الثلاث تيسيرا عليهم وتنزيلا للحكم على حسب المنازل، وعلى هذا يكون * (فمن تصدق) * (المائدة: 45) بيانا لحكم هذه الشريعة بعد حكاية حكم كان في التوراة، ليس داخلا تحت الحكاية * (فمن اعتدى بعد ذالك) * أي تجاوز ما شرع بأن قتل غير القاتل بعد ورود هذا الحكم؛ أو قتل القاتل بعد - العفو - وأخذ الدية * (فله عذاب أليم) * أي نوع من العذاب مؤلم، والمتبادر أنه في الآخرة، والمروي عن الحسن وابن جبير أنه في الدنيا بأن يقتل لا محالة ولا يقبل منه ديه لما أخرجه أبو داود من حديث سمرة مرفوعا " لا أعافي أحدا قتل بعد أخذ الدية ".
* (ولكم في القصاص حيواة ياأولي الألبابلعلكم تتقون) * * (ولكم في القصاص حيواة) * عطف على قوله تعالى: * (كتب عليكم) * (البقرة: 178) والمقصود منه توطين النفس على الانقياد لحكم القصاص لكونه شاقا للنفس - وهو كلام في غاية البلاغة - وكان أوجز كلام عندهم في هذا المعنى - القتل أنفى للقتل - وفضل هذا الكلام عليه من وجوه، الأول: قلة الحروف، فإن الملفوظ هنا عشرة أحرف - إذا لم يعتبر التنوين حرفا على حدة - وهناك أربعة عشر حرفا، الثاني: الاطراد، إذ في كل - قصاص حياة - وليس كل قتل أنفى للقتل - فإن القتل ظلما أدعى للقتل. الثالث: ما في تنوين (حياة) من النوعية أو التعظيم. الرابع: صنعة الطباق بين - القصاص والحياة - فإن القصاص تفويت - الحياة - فهو مقابلها. الخامس: النص على ما هو المطلوب بالذات - أعني الحياة - فإن نفي - القتل - إنما يطلب لها لا لذاته. السادس: الغرابة من حيث جعل الشيء فيه حاصلا في ضده، ومن جهة أن المظروف إذا حواه الظرف صانه عن التفرق، فكان القصاص فيما نحن فيه يحمي الحياة من الآفات. السابع: الخلو عن التكرار مع التقارب، فإنه لا يخلو عن استبشاع، ولا يعد ردع العجز على الصدر حتى يكون محسنا. الثامن: عذوبة اللفظ وسلاسته حيث لم يكن فيه ما في قولهم من توالي الأسباب الخفيفة إذ ليس في قولهم: حرفان متحركان على التوالي إلا في موضع واحد، ولا شك أنه ينقص من سلاسة اللفظ وجريانه على اللسان، وأيضا الخروج من - الفاء إلى اللام - أعدل من الخروج من - اللام إلى الهمزة لبعد الهمزة من اللام - وكذلك الخروج من - الصاد إلى الحاء - أعدل من الخروج من - الألف إلى اللام - التاسع: عدم الاحتياج إلى الحيثية، وقولهم: يحتاج إليها. العاشر: تعريف القصاص بلام الجنس الدالة على حقيقة هذا الحكم المشتملة على - الضرب والجرح والقتل - وغير ذلك، وقولهم: لا يشمله الحادي عشر: خلوه من أفعل الموهم أن في الترك نفيا للقتل أيضا. الثاني عشر: اشتماله على ما يصلح للقتال وهو - الحياة - بخلاف قولهم، فإنه يشتمل على نفي اكتنفه قتلان، وإنه لمما يليق بهم. الثالث عشر: خلوه عما يوهمه ظاهر قولهم من كون الشيء سببا لانتفاء نفسه - وهو محال إلى غير ذلك - فسبحان من علت كلمته، وبهرت آيته ثم المراد بالحياة إما الدنيوية - وهو الظاهر - لأن في