تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٤٦
قال الزجاج: وأكثر ما يستعمل في الخير، ويكون للشر على قلة، وذهب أبو البقاء تبعا للفراء إلى أن اللام موطئة للقسم، و (من) شرطية مبتدأ و (اشتراه) خبرها وماله) الخ جواب القسم، وجواب الشرط محذوف دل هو عليه لأنه إذا اجتمع قسم وشرط يجاب سابقهما غالبا، وفيه ما فيه لأنه نقل عن الزجاج رد من قال بشرطية (من) هنا بأنه ليس موضع شرط، ووجهه أبو حيان بأن الفعل ماض لفظا ومعنى، لأن الاشتراء قد وقع فجعله شرطا لا يصح لأن فعل الشرط إذا كان ماضيا لفظا فلا بد أن يكون مستقبلا معنى، وقد ذكر الرضى في - لزيد قائم - أن الأولى كون اللام فيه لام الابتداء مفيدة للتأكيد ولا يقدر القسم كما فعله الكوفية لأن الأصل عدم التقدير، والتأكيد المطلوب من القسم حاصل من اللام، والقول بأن اللام تأكيد للأولى أو زائدة مما لا يكاد يصح، أما الأول: فلأن بناء الكلمة إذا كان على حرف واحد لا يكرر وحده بل مع عماده إلا في ضرورة الشعر على ما ارتضاه الرضى، وأما الثاني: فلأن المعهود زيادة اللام الجارة وهي مكسورة في الاسم الظاهر.
* (ولبئس ما شروا به أنفسهم) * اللام فيه لام ابتداء أيضا، والمشهور أنها جواب القسم، والجملة معطوفة على القسمية الأولى، و (ما) نكرة مميزة للضمير المبهم في - بئس - والمخصوص بالذم محذوف، و (شروا) يحتمل المعنيين والظاهر هو الظاهر - أي والله لبئس شيئا شروا به حظوظ أنفسهم - أي باعوها أو شروها في زعمهم ذلك الشراء، وفي " البحر " بئسما باعوا أنفسهم السحر أو الكفر * (لو كانوا يعلمون) * أي مذمومية الشراء المذكور لامتنعوا عنه، ولا تنافي بين إثبات العلم لهم أولا ونفيه عنهم ثانيا إما لأن المثبت لهم هو العقل الغريزي والمنفي عنهم هو الكسب الذي هو من جملة التكليف، أو لأن الأول: هو العلم بالجملة والثاني: هو العلم بالتفصيل، فقد يعلم الإنسان مثلا قبح الشيء ثم لا يعلم أن فعله قبيح فكأنهم علموا أن شراء النفس بالسحر مذموم لكن لم يتكفروا في أن ما يفعلونه هو من جملة ذلك القبيح أو لأنهم علموا العقاب ولم يعلموا حقيقته وشدته، وإما لأن الكلام مخرج على تنزيل العالم بالشيء منزلة الجاهل ووجود الشيء منزلة عدمه لعدم ثمرته أنهم لم يعملوا بعلمهم، أو على تنزيل العالم بفائدة الخبر ولازمها منزلة الجاهل بناء على أن قوله تعالى: * (لو كانوا يعلمون) * معناه لو كان لهم علم بذلك الشراء لامتنعوا منه أي ليس لهم علم فلا يمتنعون، وهذا هو الخبر الملقى إليهم، واعتراض العلامة بأن هذا الخبر لو فرض كونه ملقى إليهم فلا معنى لكونهم عالمين بمضمونه كيف وقد تحقق في * (ولقد علموا) * نقيضه وهو أن لهم علما به وبعد اللتيا والتي لا معنى لتنزيلهم منزلة الجاهل بأن ليس لهم علم بأن من اشتراه - ماله في الآخرة من خلاق - بل إن كان فلا بد أن ينزلوا منزلة الجاهل بأن لهم علما بذلك يجاب عنه: أما أولا: فبأن الخطاب صريحا للرسول صلى الله عليه وسلم وتعريضا لهم ولذا أكد، وأما ثانيا: فبأن المستفاد من * (ولقد علموا) * ثبوت العلم لهم حقيقة والمستفاد من الخبر الملقى لهم نفي العلم عنهم تنزيلا ولا منافاة بينهما، وأما ثالثا: فبأن العالم إذا عمل بخلاف علمه كان عالما بأنه بمنزلة الجاهل في عدم ترتب ثمرة علمه، ومقتضى هذا العلم أن يمتنع عن ذلك العمل ففيما نحن فيه كانوا عالمين فيه بأن ليس لهم علم وأنهم بمنزلة الجاهل في ذلك الشراء، ومقتضى هذا العلم أن يمتنعوا عنه وإذا لم يمتنعوا كانوا بمنزلة الجاهل في عدم جريهم على مقتضى هذا العلم فألقى الخبر إليهم بأن ليس لهم علم مع علمهم به كذا قيل، ولا يخفى ما فيه من شدة التكلف، وأجاب بعضهم عما يتراءى من التنافي بأن مفعول * (يعلمون) * ما دل عليه ل‍ * (بئسما شروا) * الخ أعنى مذمومية الشراء، ومفعول * (علموا) * أنه لا نصيب لهم
(٣٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 ... » »»