تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٤٧
في الآخرة، والعلم بأنه لا نصيب لهم في الآخرة لا ينافي نفي العلم بمذمومية الشراء بأن يعتقدوا إباحته - فلا حاجة حينئذ إلى جميع ما سبق - وفيه أن العلم بكون الشراء المذكور موجبا للحرمان في الآخرة بدون العلم بكونه مذموما غاية المذمومية - مما لا يكاد يعقل عند أرباب العقول - والقول بأن مفعول * (علموا) * محذوف، أي لقد علموا أنه يضرهم ولا ينفعهم، و * (لمن اشتراه) * مرتبط بأول القصة، وضمير (لبئسما شروا) (لمن اشتراه) ركيك جدا، و (بئسما) يشتري، ودفع التنافي بأنه أثبت أولا: العلم بسوء ما شروه بالكتاب بحسب الآخرة، ثم ذم بالسوء مطلقا في الدين والدنيا، لأن بئس للذم العام، فالمنفى - العلم بالسوء المطلق - يعني: لو كانوا يعلمون ضرره في الدين والدنيا لامتنعوا، إنما غرهم توهم النفع العاجل، أو بأن المثبت أولا العلم بأن ما شروه ما لهم في الآخرة نصيب منه، لا أنهم شروا أنفسهم به وأخرجوها من أيديهم بالكلية، بل كانوا يظنون أن آباءهم الأنبياء يشفعونهم في الآخرة والعلم المنفي هو هذا العلم لا يخفى ما فيه. أما أولا: فلأن عموم الذم في (بئس) وإن قيل به لكنه بالنسبة إلى إفراد الفاعل في نفسها من دون تعرض للأزمنة والأمكنة - والتزام ذلك لا يخلو عن كدر - وأما ثانيا: فلأن تخصيص النصيب - بمنه - مع كونه نكرة مقرونة ب (من) في سياق النفي المساق للتهويل مما لا يدعو إليه إلا ضيق العطن، والجواب - بإرجاع ضمير (علموا) (للناس) أو (الشياطين) و (اشتروا) لليهود - ارتكاب للتفكيك من غير ضرورة تدعو إليه، ولا قرينة واضحة تدل عليه، وبعد كل حساب - الأولى عندي في الجواب - كون الكلام مخرجا على التنزيل، ولا ريب في كثرة وجود ذلك في الكتاب الجليل، والأجوبة التي ذكرت من قبل - مع جريان الكلام فيها على مقتضى الظاهر - لا تخلو في الباطن عن شيء فتدبر.
* (ولو أنهم ءامنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون) * * (ولو أنهم ءامنوا) * أي بالرسول، أو بما أنزل إليه من الآيات، أو بالتوراة * (واتقوا) * أي المعاصي التي حيكت عنهم * (لمثوبة من عند الله خير) * جواب * (لو) * الشرطية، وأصله - لأثيبوا مثوبة من عند الله خيرا مما شروا به أنفسهم - فحذف الفعل، وغير السبك إلى ما ترى ليتوسل بذلك مع معونة المقام إلى الإشارة إلى ثبات المثوبة، وثبات نسبة الخيرية إليها مع الجزم بخيريتها لأن الجملة إذا أفادت ثبات المثوبة كان الحكم بمنزلة التعليق بالمشتق، كأنه قيل: لمثوبة دائمة خير لدوامها وثباتها، وحذف المفضل عليه إجلالا للمفضل من أن ينسب إليه، ولم يقل لمثوبة الله، مع أنه أخصر ليشعر التنكير بالتقليل، فيفيد أن شيئا قليلا من ثواب الله تعالى في الآخرة الدائمة خير من ثواب كثير من الدنيا الفانية، فكيف وثواب الله تعالى كثير دائم، وفيه من الترغيب والترهيب المناسبين للمقام ما لا يخفى، وببيان الأصل انحل إشكالان (لفظي) وهو أن جواب * (لو) * إنما يكون فعلية ماضوية (ومعنوي) وهو أن خيرية - المثوبة - ثابتة لا تعلق لها بإيمانهم وعدمه، ولهذين الاشكالين قال الأخفش واختاره جمع لسلامته من وقوع الجملة الابتدائية في الظاهر جوابا ل‍ (لو) ولم يعهد ذلك في لسان العرب - كما في " البحر " - أن - اللام - جواب قسم محذوف والتقدير - ولو أنهم آمنوا واتقوا لكان خيرا لهم ولمثوبة عند الله خير - وبعضهم التزم التمني - ولكن من جهة العباد لا من جهته تعالى - خلافا لمن اعتزل دفعا لهما إذ لا جواب لها حينئذ، ويكون الكلام مستأنفا، كأنه لما تمنى لهم ذلك قيل: ما هذا التحسر والتمني؟ فأجيب بأن هؤلاء المبتذلين حرموا ما شيء قليل منه خير من الدنيا وما فيها، وفي ذلك تحريض وحث على الإيمان، وذهب أبو حيان إلى أن (خير) هنا للتفضيل لا للأفضلية على حد فخيركما لشركما فداء والمثوبة مفعلة - بضم العين - من الثواب، فنقلت
(٣٤٧)
مفاتيح البحث: الظنّ (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 ... » »»