تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٣٥
أعوانه وبعضها بنفسه والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
* (ولقد أنزلنآ إليك ءاي‍ات بين‍ات وما يكفر بهآ إلا الف‍اسقون) * نزلت بسبب ابن صوريا كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آيات فنتبعك، وجعلت عطفا على قوله تعالى: * (قل من كان عدوا) * (البقرة: 97) الخ عطف القصة على القصة * (وما يكفر) * عطف على جواب القسم فإنه كما يصدر باللام يصدر بحرف النفي، و (الآيات) القرآن والمعجزات والإخبار عما خفي وأخفي في الكتب السابقة أو الشرائع والفرائض، أو مجموع ما تقدم كله والظاهر الإطلاق، و (الفاسقون) المتمردون في الكفر الخارجون عن الحدود فإن من ليس على تلك الصفات من الكفرة لا يجترىء على الكفر بمثل هاتيك البينات، قال الحسن: إذا استعمل الفسق في نوع من المعاصي وقع على أعظم أفراد ذلك النوع من كفر أو غيره فإذا قيل: هو فاسق في الشرب فمعناه هو أكثر ارتكابا له وإذا قيل: هو فاسق في الزنا يكون معناه هو أشد ارتكابا له، وأصله من فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها، واللام إما للعهد لأن سياق الآيات يدل على أن ذلك لليهود، وإما للجنس وهم داخلون كما مر غير مرة.
* (أوكلما ع‍اهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) * * (أو كلما ع‍اهدوا عهدا) * نزلت في مالك بن الصيف قال: والله ما أخذ علينا عهد في كتابنا أن نؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا ميثاق، وقيل: في اليهود عاهدوا إن خرج لنؤمنن به ولنكونن معه على مشركي العرب فلما بعث كفروا به، وقال عطاء: في اليهود عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهود فنقضوها كفعل قريظة والنضير، والهمزة للإنكار بمعنى ما كان ينبغي، وفيه إعظام ما يقدمون عليه من تكرر عهودهم ونقضها حتى صار سجية لهم وعادة، وفي ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم وإشارة إلى أنه ينبغي أن لا يكترث بأمرهم وأن لا يصعب عليه مخالفتهم، والواو للعطف على محذوف أي أكفروا بالآيات وكلما عاهدوا، وهو من عطف الفعلية على الفعلية لأن * (كلما) * ظرف * (نبذه) * والقرينة على ذلك المحذوف قوله تعالى: * (وما يكفر بها) * (البقرة: 99) الخ، وبعضهم يقدر المعطوف مأخوذا من الكلام السابق ويقول بتوسط الهمزة بين المعطوف والمعطوف عليه لغرض يتعلق بالمعطوف خاصة، والتقدير عنده نقضوا هذا العهد وذلك العهد * (أو كلما عاهدوا) * وفيه مع ارتكاب ما لا ضرورة تدعو إليه أن الجمل المذكورة بقربه ليس فيها ذكر نقض العهد، وقال الأخفش: هي زائدة، والكسائي هي - أو - الساكنة حركت واوها بالفتح وهي بمعنى بل ولا يخفى ضعف القولين، نعم قرأ ابن السماك العدوي وغيره (أو) بالإسكان وحينئذ لا بأس بأن يقال: إنها إضرابية بناء على رأي الكوفيين وأنشدوا: بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى * وصورتها (أو) أنت في العين أملح والعطف - على هذا - على صلة الموصول الذي هو - اللام - في (الفاسقون) ميلا إلى جانب المعنى وإن كان فيه مسخ - اللام - الموصولة، كأنه قيل: إلا الذين فسقوا بل كلما عاهدوا والقرينة على ذلك * (بل أكثرهم) * الخ، وفيه ترق إلى الأغلظ فالأغلظ، ولك أن لا تميل مع المعنى بل تعطف على الصلة - وأل - تدخل على الفعل بالتبعية في السعة كثيرا كقوله تعالى: * (إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا) * (الحديد: 18) لاغتفارهم في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل.
ومن الناس من جوز هذا العطف باحتماليه على القراءة الأولى أيضا - ولم يحتج إلى ذلك المحذوف - وقرأ الحسن وأبو رجاء * (عوهدوا) * وانتصاب (عهدا) على أنه مصدر على غير الصدر أي - معاهدة - ويؤيده أنه قرىء * (عهدوا) * أو على أنه مفعول به بتضمين (عاهدوا) معنى أعطوا.
* (نبذه فريق منهم) * أي نقضه وترك العمل به، وأصل - النبذ -
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»