تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٤٤
والوجوب، ولا يخفى أنه لا دليل فيها على الجواز مطلقا لأن ذلك التعليم كان للابتلاء والتمييز كما قدمنا، وقد ذكر القائلون بالتحريم: إن تعلم السحر إذا فرض فشوه في صقع، وأريد تبيين فساده لهم ليرجعوا إلى الحق غير حرام كما لا يحرم تعلم الفلسفة للمنصوب للذب عن الدين برد الشبه - وإن كان أغلب أحواله التحريم - وهذا لا ينافي إطلاق القول به، ومن قال: إن هاروت وماروت من الشياطين قال: إن معنى الآية ما يعلمان السحر أحدا حتى ينصحاه ويقولا إنا مفتونان باعتقاد جوازه والعمل به فلا تكن مثلنا في ذلك فتكفر، وحينئذ لا استدلال أصلا، وما ذكرنا أن القول على سبيل النصح في هذا الوجه هو الظاهر، وحكى المهدوي أنه على سبيل الاستهزاء لا النصيحة وهو الأنسب بحال الشياطين، وقرأ طلحة بن مصرف (يعلمان) بالتخفيف من الإعلام وعليها حمل بعضهم قراءة التشديد، وقرأ أبي باظهار الفاعل * (فيتعلمون منهما) * عطف على الجملة المنفية لأنها في قوة المثبتة كأنه قال: يعلمانهم بعد ذلك القول فيتعلمون، وليس عطفا على المنفي بدون هذا الاعتبار كما توهمه أبو علي من كلام الزجاج، وعطفه بعضهم على * (يعلمان) * محذوفا، وبعضهم على (يأتون) كذلك، والضمير المرفوع لما دل عليه (أحد) وهو الناس أو - لأحد - حملا له على المعنى كما في قوله تعالى: * (فما منكم من أحد عنه حاجزين) * (الحاقه: 47) وحكى المهدوي جواز العطف على * (يعلمون الناس) * فمرجع الضمير حينئذ ظاهر، وقيل: في الكلام مبتدأ محذوف أي فهم يتعلمون فتكون جملة ابتدائية معطوفة على ما قبلها من عطف الاسمية على الفعلية - ونسب ذلك إلى سيبويه - وليس بالجيد، وضمير (منهما) عائد على (الملكين)، ومن الناس من جعله عائدا إلى السحر والكفر أو الفتنة والسحر، وعطف (يتعلمون) على (يعلمون) وحمل (ما يعلمان) على النفي، و * (حتى يقولا) * على التأكيد له أي لا يعلمان السحر لأحد بل ينهيانه حتى يقولا الخ فهو كقولك: ما أمرته بكذا حتى قلت له إن فعلت نالك كذا وكذا، وجعل - ما أنزل - أيضا نفيا معطوفا على - ما كفر - وهو كما ترى * (ما يفرقون به بين المرء وزوجه) * أي الذي أو شيئا يفرقون به وهو السحر المزيل بطريق السببية الألفة والمحبة بين الزوجين الموقع للبغضاء والشحناء الموجبتين للتفرق بينهما؛ وقيل: المراد: ما يفرق لكونه كفرا لأنه إذا تعلم كفر فبانت زوجته أو إذا تعلم عمل فتراه الناس فيعتقدون أنه حق فيكفرون فتبين أزواجهم، و - المرء - الرجل، والأفصح فتح الميم مطلقا، وحكي الضم مطلقا، وحكي الاتباع لحركة الإعراب، ومؤنثة المرأة، وقد جاء جمعه بالواو والنون فقالوا: المرؤن، والزوج امرأة الرجل، وقيل: المراد به هنا القريب والأخ الملائم، ومنه * (من كل زوج بهيج) * (الحج: 5) و * (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) * (الصافات: 22) وقرأ الحسن والزهري وقتادة المر بغير همز مخففا، وابن أبي اسحق - المرء - بضم الميم مع الهز، والأشهب بالكسر والهمز، ورويت عن الحسن، وقرأ الزهري أيضا - المر - بالفتح وإسقالط الهمزة وتشديد الراء * (وما هم بضآرين به من أحد) * الضمير للسحرة الذين عاد إليهم ضمير * (فيتعلمون) * وقيل: لليهود الذين عاد إليهم ضمير * (واتبعوا) * وقيل - للشياطين - وضمير (به) عائد لما، و * (من) * زائدة لاستغراق النفي كأنه قيل: وما يضرون به أحدا، وقرأ الأعمش - بضاري - محذوف النون، وخرج على أنها حذفت تخفيفا وإن كان اسم الفاعل ليس صلة - لأل - فقد نص ابن مالك على عدم الاشتراط لقوله: ولسنا إذا تأتون سلمى بمدعي * لكم غير أنا أن نسالم نسالم وقولهم: قطاقطا بيضك ثنتا وبيضي مائتا، وقيل: إنها حذفت للإضافة إلى محذوف مقدر لفظا على حد قوله: يا تيم تيم عدي في أحد الوجوه، وقيل: للإضافة إلى (أحد) على جعل الجار جزأ منه والفصل بالظرف
(٣٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 ... » »»