تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٤٢
وعرض يبقى بدار الحس هذا ومن قال: بصحة هذه القصة في نفس الأمر وحملها على ظاهرها فقد ركب شططا وقال غلطا، وفتح بابا من السحر يضحك الموتى، ويبكي الأحياء، وينكس راية الإسلام، ويرفع رؤوس الكفرة الطغام كما لا يخفى ذلك على المنصفين من العلماء المحققين، وقرأ ابن عباس والحسن وأبو الأسود والضحاك (الملكين) بكسر اللام، وحمل بعضهم قراءة الفتح على ذلك فقال هما رجلان إلا أنهما سميا ملكين باعتبار صلاحهما، ويؤيده ما قيل: إنهما داود وسليمان، ويرده قول الحسن: إنهما علجان كانا ببابل العراق، وبعضهم يقول إنهما من الملائة ظهرا في صورة الملوك - وفيه حمل الكسر على الفتح على عكس ما تقدم و - الإنزال - إما على ظاهره أو بمعنى القذف في قلوبهما * (ببابل) * الباء بمعنى في وهي متعلقة - بأنزل - أو بمحذوف وقع حالا من (الملكين) أو من الضمير في (أنزل) وهي كما قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما: بلد في سواد الكوفة، وقيل: بابل العراق، وقال قتادة: هي من نصيبين إلى رأس العين، وقيل: جبل دماوند، وقيل: بلد بالمغرب - والمشهور اليوم الثاني - وعند البعض هو الأول، قيل وسميت بابل لتبلبل الألسنة فيها عند سقوط صرح نمرود، وأخرجه الدينوري في " المجالسة ". وابن عساكر من طريق نعيم بن سالم - وهو متهم - عن أنس بن مالك قال: لما حشر الله تعالى الخلائق إلى بابل بعث إليهم ريحا شرقية وغربية وقبلية وبحرية فجمعتهم إلى بابل فاجتمعوا يومئذ ينظرون لما حشروا له إذ نادى مناد من جعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره واقتصد إلى البيت الحرام بوجهه فله كلام أهل السماء فقام يعرب بن قحطان فقيل له: يا يعرب بن قحطان بن هود أنت هو فكان أول من تكلم بالعربية فلم يزل المنادي ينادي من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا حتى افترقوا على اثنين وسبعين لسانا وانقطع الصوت وتبلبلت الألسن فسميت بابل وكان اللسان يومئذ بابليا، وعندي في القولين تردد بل عدم قبول، والذي أميل إليه أن بابل اسم أعجمي كما نص عليه أبو حيان لا عربي كما يشير إليه كلام الأخفش، وأنه في الأصل اسم للنهر الكبير في بعض اللغات الأعجمية القديمة وقد أطلق على تلك الأرض لقرب الفرات منها، ولعل ذلك من قبيل تسمية بغداد دار السلام بناء عى أن السلام اسم لدجلة، وقد رأيت لذلك تفصيلا لا أدريه اليوم في أي كتاب، وأظنه قريبا مما ذكرته فليحفظ، ومنه بعضهم الصلاة بأرض بابل احتجاجا بما أخرج أبو داود وابن أبي حاتم والبيهقي في " سننه " على علي كرم الله تعالى وجهه أن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي بأرض بابل فإنها ملعونة، وقال الخطابي: في إسناد هذا الحديث مقال، ولا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة بها، ويشبه إن ثبت الحديث أن يكون نهاه عن أن يتخذها وطنا ومقاما فإذا أقام بها كانت صلاته فيها وهذا من باب التعليق في علم البيان، أو لعل النهي له خاصة ألا ترى قال: نهاني، ومثله حديث آخر " نهاني أقرأ ساجدا أو راكعا ولا أقول نهاكم "، وكان ذلك إنذارا منه بما لقي من المحنة في تلك الناحية * (ه‍اروت وم‍اروت) * عطف بيان - للملكين - وهما اسمان أعجميان لهما منعا من الصرف للعلمية والعجمة وقيل: عربيان من الهرت والمرت بمعنى الكسر؛ وكان اسمهما قبل عزا وعزايا فلما قارفا الذنب سميا بذلك؛ ويشكل عليه منعهما من الصرف، وليس إلا العلمية، وتكلف له بعضهم بأنه يحتمل أن يقال: إنهما معدولان من الهارت والمارت، وانحصار العدل في الأوزان المحفوظة غير مسلم وهو كما ترى، وقرأ الحسن والزهري برفعهما على أن التقدير هما هاروت وماروت، ومما يقضي منه العجب ما قاله الإمام القرطبي: " إن هاروت وماروت
(٣٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 ... » »»