* (أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل) * جوز في * (أم) * هذه أن تكون متصلة، وأن تكون منقطعة، فإن قدر (تعلمون) قبل * (تريدون) * بناء على دلالة السباق وهو * (ألم تعلم) * (البقرة: 106) والسياق وهو الاقتراح فإنه لا يكون إلا عند التعنت - والعلم - بخلافه كانت متصلة، كأنه قيل: أي الأمرين من عدم العلم بما تقدم، أو العلم مع الاقتراح واقع، والاستفهام حينئذ للإنكار بمعنى لا ينبغي أن يكون شيء منهما، وإن لم يقدر كانت منقطعة للإضراب عن عدم علمهم بالسابق إلى الاستفهام عن اقتراحهم كاقتراح اليهود إنكارا عليهم بأنه لا ينبغي أن يقع أيضا وقطع بعضهم بالقطع بناء على دخول الرسول صلى الله عليه وسلم في الخطاب أو لا، وعدم دخوله فيه هنا لأنه مقترح عليه لا مقترح - وذلك مخل بالاتصال - وأجيب بأنه غير مخل به لحصوله بالنسبة إلى المقصد، وإرادة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأول كانت لمجرد التصوير والانتقال لما قدمنا أنها بطريق الكناية، والمراد - على التقديرين - توصيته المسلمين بالثقة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك الاقتراح بعد رد طعن المشركين أو اليهود في - النسخ - فكأنه قيل: لا تكونوا فيما أنزل إليكم من القرآن مثل اليهود في ترك الثقة بالآيات البينة واقتراح غيرها فتضلوا وتكفروا بعد الإيمان، وفي هذه التوصية كمال المبالغة والبلاغة حتى كأنهم بصدد الإرادة فنهوا عنها - فضلا عن السؤال - يعني من شأن العاقل أن لا يتصدى لإرادة ذلك، ولم يقل سبحانه: كما سأل أمة موسى عليه السلام أو اليهود للإشارة إلى أن من سأل ذلك يستحق أن يصان اللسان عن ذكره - ولا يقتضي سابقية وقوع الاقتراح منهم - ولا يتوقف مضمون الآية عليه إذ التوصية لا تقتضي سابقية الوقوع، كيف وهو كفر - كما يدل عليه ما بعد - ولا يكاد يقع من المؤمن، ومما ذكرنا يظهر وجه ذكر هذه الآية بعد قوله تعالى: * (ما ننسخ) * (البقرة: 106) فإن المقصد من كل منهما تثبيتهم على الآيات وتوصيتهم بالثقة بها، وأما بيانه بأنه لعلهم كانوا يطلبون منه عليه الصلاة والسلام بيان تفاصيل الحكم الداعية إلى النسخ فلذا أردفت آية النسخ بذلك فأراه إلى التمني أقرب، وقد ذكر بعض المفسرين أنهم اقترحوا على الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر أن يجعل لهم ذات أنواط كما كان للمشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: * (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) * (الأعراف: 138) والذي نفسي بيده لتركبن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة إن كان فيهم من أتى أمه يكون فيكم، فلا أدري أتعبدون العجل أم لا؟ " وهو مع الحاجة إليه يستدعي أن المخاطب في الآيات هم المؤمنون، والسباق والسياق والتذييل تشهد له، وعليه يترجح الاتصال - لما نقل عن الرضى - أن الفعليتين إذا اشتركتا في الفاعل نحو أقمت أم قعدت؟ - فأم - متصلة؛ وزعم قوم أن المخاطب بها اليهود، وأن الآية نزلت فيهم حين سألوا أن ينزل عليهم كتاب من السماء جملة - كما نزلت التوراة على موسى عليه السلام - وخاطبهم بذلك بعد رد طعنهم تشديدا لهم، وحينئذ يكون المضارع الآتي بمعنى الماضي، إلا أنه عبر به عنه إحضارا للصورة الشنيعة، واختار هذا الإمام الرازي وقال: إنه الأصح لأن هذه سورة من أول قوله تعالى: * (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي) * (البقرة: 40) حكاية عن اليهود ومحاجة معهم، ولأنه جرى ذكرهم وما جرى ذكر غيرهم، ولأن المؤمن بالرسول لا يكاد يسأل ما يكون متبدلا به الكفر بالإيمان ولا يخفى ما فيه، وكأنه رحمه الله تعالى نسي قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) * (البقرة: 104) وقيل: إن المخاطب أهل مكة، وهو قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقد روي عنه أن الآية نزلت في عبد الله بن أمية ورهط من قريش قالوا: يا محمد، اجعل لنا الصفا ذهبا ووسع لنا أرض مكة، وفجر لنا الأنهار خلالها تفجيرا ونؤمن لك. وحكي في سبب النزول غير
(٣٥٥)