وإضافة - العباد - إلى ضميره تعالى للتشريف، و * (من) * إما موصولة أو موصوفة.
* (فباءوا بغضب على غضب) * تفريع على ما تقدم، أي فرجعوا متلبسين بغضب كائن على غضب مستحقين له حسبما اقترفوا من الكفر والحسد. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الغضب الأول: لعبادة العجل والثاني: لكفرهم به صلى الله عليه وسلم، وقال قتادة: الأول: كفرهم بالإنجيل والثاني: كفرهم بالقرآن، وقيل: هما الكفر بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، أو قولهم: * (عزير ابن الله) * (التوبة: 30) و * (يد الله مغلولة) * (المائدة: 64) وغير ذلك من أنواع كفرهم، وكفرهم الأخير بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفى أن - فاء العطف - يقتضي صيرورتهم أحقاء بترادف الغضب لأجل ما تقدم، وقولهم: * (عزير ابن الله) * مثلا غير مذكور فيما سبق، ويحتمل أن يراد بقوله سبحانه: * (بغضب على غضب) * الترادف والتكاثر لا غضبان فقط، وفيه إيذان بتشديد الحال عليهم جدا كما في قوله:
ولو كان رمحا واحدا لاتقيته * ولكنه رمح (وثان وثالث) ومن الناس من زعم أن - الفاء فصيحة - والمعنى فإذا كفروا وحسدوا على ما ذكر باءوا الخ، وليس بشيء.
* (وللكافرين عذاب مهين) * - اللام - في الكافرين للعهد، والإظهار في موضع الإضمار للإيذان بعلية كفرهم لما حاق بهم؛ ويحتمل أن تكون للعموم فيدخل المعهودون فيه على طرز ما مر. و - المهين - المذل، وأصله مهون فأعل، وإسناده إلى العذاب مجاز من الإسناد إلى السبب - والوصف به للتقييد - والاختصاص الذي يفهمه تقديم الخبر بالنسبة إليه، فغير الكافرين إذا عذب فإنما يعذب للتطهير - لا للإهانة والإذلال - ولذا لم يوصف عذاب غيرهم به في القرآن فلا تمسك للخوارج بأنه خص العذاب بالكافرين فيكون الفاسق كافرا لأنه معذب ولا للمرجئة أيضا.
* (وإذا قيل لهم ءامنوا بمآ أنزل الله قالوا نؤمن بمآ أنزل علينا ويكفرون بما ورآءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبيآء الله من قبل إن كنتم مؤمنين) * * (وإذا قيل لهم) * ظرف لقالوا والجملة عطف على * (قالوا قلوبنا غلف) * (البقرة: 88) ولا غرض يتعلق بالقائل، فلذا بني الفعل لما لم يسم فاعله، والظاهر أنه من جانب المؤمنين.
* (آمنوا بما أنزل الله) * الجمهور على أنه القرآن، وقيل: سائر ما أنزل من الكتب الإلهية إجراء لما على العموم ومع هذا: جل الغرض الأمر بالإيمان بالقرآن لكن سلك مسلك التعميم منه إشعارا بتحتم الامتثال من حيث مشاركته لما آمنوا به فيما في حيز الصلة وموافقته له في المضمون، وتنبيها على أن الإيمان بما عداه من غير إيمان به ليس إيمانا بما أنزل الله.
* (قالوا نؤمن بما أنزل علينا) * أي نستمر على الإيمان بالتوراة وما في حكمها مما أنزل لتقرير حكمها، وحذف الفاعل للعلم به إذ من المعلوم أنه لا ينزل الكتب إلا هو سبحانه، ولجريان ذكره في الخطاب ومرادهم بضمير المتكلم إما أنبياء بني إسرائيل - وهو الظاهر - وفيه إيماء إلى أن عدم إيمانهم بالقرآن كان بغيا وحسدا على نزوله على من ليس منهم - وإما أنفسهم - ومعنى الإنزال عليهم تكليفهم بما في المنزل من الأحكام، وذموا على هذه المقالة لما فيها من التعريض بشأن القرآن - ودسائس اليهود مشهورة - أو لأنهم تأولوا الأمر المطلق العام ونزلوه على خاص هو الإيمان بما أنزل عليهم كما هو ديدنهم في تأويل الكتاب بغير المراد منه.
* (ويكفرون بما ورآءه) * عطف على * (قالوا) *؛ والتعبير بالمضارع لحكاية الحال استغرابا للكفر بالشيء بعد العلم بحقيته أو للتنبيه على أن كفرهم مستمر إلى زمن الإخبار، وقيل: استئناف - وعليه ابن الأنباري - ويجوز أن يكون حالا إما على مذهب من يجوز وقوع المضارع المثبت حالا مع الواو، وإما على تقدير مبتدأ أي وهم