أنه قد يقول القائل - لم يكد زيد يفعل - ومراده أنه فعل بعسر لا بسهولة وهو خلافا الظاهر الذي وضع له اللفظ فافهم.
* (وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون) * * (وإذ قتلتم نفسا) * أي شخصا أو ذا نفس، ونسبة القتل إلى المخاطبين لوجوده فيهم على طريقة العرب في نسبة الأشياء إلى القبيلة إذا وجد من بعضها ما يذم به أو يمدح، وقول بعضهم: - إنه لا يحسن إسناد فعل أو قول صدر عن البعض إلى الكل إلا إذا صدر عنه بمظاهرتهم أو رضا منهم - غير مسلم، نعم لا بد لإسناده إلى الكل من نكتة ما، ولعلها هنا الإشارة إلى أن الكل بحيث لا يبعد صدور القتل منهم لمزيد حرصهم وكثرة طمعهم وعظم جرأتهم: فهم كأصابع الكفين طبعا * وكل منهم طمع جسور وقيل: إن القاتل جمع وهم ورثة المقتول، وقد روي أنهم اجتمعوا على قتله؛ ولهذا نسب القتل إلى الجمع * (فادارءتم فيها) * أصله تدارأتم من الدرء وهو الدفع فاجتمعت التاء والدال مع تقارب مخرجيهما وأريد الإدغام فقلبت التاء دالا وسكنت للإدغام فاجتلبت همزة الوصل للتوصل إلى الإبتداء بها، وهذا مطرد في كل فعل على تفاعل أو تفعل فاؤه - تاء أو طاء، أو ظاء، أو صاد، أو ضاد - والتدارؤ هنا إما مجاز عن الاختلاف والاختصام، أو كناية عنه إذ المتخاصمان يدفع كل منهما الآخر، أو مستعمل في حقيقته أعني التدافع بأن طرح قتلها كل عن نفسه إلى صاحبه فكل منهما من حيث إنه مطروح عليه يدفع الآخر من حيث إنه طارح، وقيل: إن طرح القتل في نفسه نفس دفع الصاحب - وكل من الطارحين دافع فتطارحهما - تدافع، وقيل: إن كلا منهما يدفع الآخر عن البراءة إلى التهمة فإذا قال أحدهما: أنا بريء وأنت متهم يقول الآخر: بل أنت المتهم وأنا البريء، ولا يخفى أن ما ذكر على كل ما فيه بالمجاز أليق، ولهذا عد ذلك أبو حيان من المجاز، والضمير في * (فيها) * عائد على النفس، وقيل: على القتلة المفهومة من الفعل، وقيل: على التهمة الدال عليها معنى الكلام، وقرأ أبو حيوة * (فتدارأتم) * على الأصل، وقيل: قرأ هو وأبو السوار - فادرأتم - بغير ألف قبل الراء، وإن طائفة أخرى قرءوا - فتدارأتم -.
* (والله مخرج ما كنتم تكتمون) * أي مظهر لا محالة ما كنتم تكتمونه من أمر القتيل، والقاتل كما يشير إليه بناء الجملة الاسمية وبناء اسم الفاعل على المبتدأ المفيد لتأكيد الحكم وتقويه - وذلك بطريق التفضل عندنا - والوجوب عند المعتزلة وتقدير المتعلق خاصا هو ما عليه الجمهور، وقيل: يجوز أن يكون عاما في القتيل وغيره، ويكون القتيل من جملة أفراده، وفيه نظر إذ ليس كل ما كتموه عن الناس أظهره الله تعالى، وأعمل * (مخرج) * لأنه مستقبل بالنسبة للحكم الذي قبله، وهو التدارؤ - ومضيه الآن - لا يضر والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على الاستمرار. وفي " البحر " - إن كان - للدلالة على تقدم الكتمان.
* (فقلنا اضربوه ببعضها كذالك يحى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون) * * (فقلنا اضربوه ببعضها) * عطف على قوله تعالى: * (فادارأتم) * وما بينهما اعتراض يفيد أن كتمان القاتل لا ينفعه، وقيل: حال أي والحال أنكم تعلمون ذلك. والهاء في * (اضربوه) * عائد على النفس بناء على تذكيرها إذ فيها التأنيث - وهو الأشهر - والتذكير، أو على تأويل الشخص أو القتيل، أو على أن الكلام على حذف مضاف أي ذا نفس، وبعد الحذف أقيم المضاف إليه مقامه، وقيل: الأظهر أن التذكير لتذكير المعنى، وإذا كان اللفظ مذكرا والمعنى مؤنثا أو بالعكس فوجهان، وذكر هذا الضمير - مع سبق التأنيث - تفننا أو تمييزا بين هذا الضمير والضمير الذي بعده توضيحا، والظاهر أن المراد بالبعض أي بعض كان إذ لا فائدة في تعينه