لعمر رضي الله تعالى عنه: " أشركنا في دعائك " وفي الأثر: " ادعوني بألسنة لم تعصوني فيها " وحملت على ألسنة الغير، والتعرض لعنوان الربوبية لتمهيد مبادىء الإجابة، وقالوا: (ربك) ولم يقولوا: ربنا، لأن في ذلك من الاختصاص به ما ليس فيهم من مناجاته وتكليمه وإيتائه التوراة، فكأنهم قالوا: ادع لنا المحسن إليك بما لم يحسن به إلينا، فكما أحسن إليك من قبل نرجو أن يحسن إليك في إجابة دعائك.
* (يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها) * المراد - بالإخراج - المعنى المجازي اللازم للمعنى الحقيقي، وهو الإظهار بطريق الإيجاد - لا بطريق إزالة الخفاء - والحمل على المعنى الحقيق يقتضي مخرجا عنه، وما يصلح له ههنا هو (الأرض) وبتقديره يصير الكلام سخيفا، و * (يخرج) * مجزوم لأنه جواب الأمر، وجزمه - بلام الطلب - محذوفة لا يجوز عند البصريين، و (من) الأولى تبعيضية أي مأكولا بعض ما (تنبت) وادعى الأخفش زيادتها - وليس بشيء - و (ما) موصولة والعائد محذوف، أي تنبته، وجعلها مصدرية لم يجوزه أبو البقاء - لأن المقدر جوهر - ونسبة - الإنبات - إلى (الأرض) مجاز من باب النسبة إلى القابل. وقد أودع الله تعالى في الطبقة الطينية من الأرض - أو فيها - قوة قابلة لذلك، وكون القوة القابلة مودعة في الحب دون التراب ربما يفضي إلى القول بقدم الحب بالنوع، و (من) الثانية بيانية، فالظرف مستقر واقع موقع الحال، أي كائنا من (بقلها). وقال أبو حيان: تبعيضية واقعة موقع البدل من كلمة (ما) فالظرف لغو متعلق ب (يخرج) وعلى التقديرين - كما قال الساليكوتي -: يفيد أن المطلوب إخراج بعض هؤلاء، ولو جعل بيانا لما أفاده (من) التبعيضية - كما قاله المولى عصام الدين - لخلا الكلام عن الإفادة المذكورة، وأوهم أن المطلوب إخراج جميع هؤلاء لعدم العهد - والبقل - جنس يندرج فيه النبات الرطب مما يأكله الناس والأنعام، والمراد به هنا أطاييب البقول التي يأكلها الناس - والقثاء - هو هذا المعروف، وقال الخليل: هو الخيار، وقرأ يحيى بن وثاب وغيره - بضم القاف - وهو لغة - والفوم - الحنطة - وعليه أكثر الناس - حتى قال الزجاج: لا خلاف عند أهل اللغة أن - الفوم - الحنطة، وسائر الحبوب التي تختبز يلحقها اسم - الفوم - وقال الكسائي وجماعة: هو الثوم، وقد أبدلت - ثاؤه فاء - كما في - جدث وجدف - وهو بالبصل والعدس أوفق - وبه قرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه - ونفس شيخنا - عليه الرحمة - إليه تميل، والقول بأنه الخبز يبعده الإنبات من (الأرض) وذكره مع البقل وغيره. وما في " المعالم " عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن - الفوم - الخبز يمكن توجيهه بأن معناه إنه يقال عليه، ووجه ترتيب النظم أنه ذكر أولا ما هو جامع للحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة - وهو البقل - إذ منه ما هو بارد رطب - كالهندبا - ومنه ما هو حار يابس - كالكرفس والسذاب - ومنه ما هو حار وفيه رطوبة، كالنعناع وثانيا: ما هو بارد رطب - وهو القثاء - وثالثا: ما هو حار يابس - وهو الثوم - ورابعا: ما هو بارد يابس - وهو العدس - وخامسا: ما هو حار رطب - وهو البصل - وإذا طبخ صار باردا رطبا عند بعضهم، أو يقال: إنه ذكر أولا ما يؤكل من غير علاج نار، وذكر بعده ما يعالج به مع ما ينبغي فيه ذلك ويقبله.
* (قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) * استئناف وقع جوابا عن سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال لهم؟ فقيل قال: * (أتستبدلون) * الخ، والقائل إما الله تعالى على لسان موسى عليه السلام، ويرجحه كون المقام مقام تعداد النعم، أو موسى نفسه - وهو الأنسب بسياق النظم - والاستفهام للإنكار، والاستبدال الاعتياض.