تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٦٦
والحق أن تفسيرها بذلك تفسير باللازم، ومن البعيد قول أبي مسلم: إن المعنى أمرنا - حطة - أي أن نحط في هذه القرية ونقيم بها لعدم ظهور تعلق الغفران به وترتب التبديل عليه إلا أن يقال كانوا مأمورين بهذا القول عند الحط في القرية لمجرد التعبد، وحين لم يعرفوا وجه الحكمة بدلوه، وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب بمعنى حط عنا ذنوبنا (حطة) أو نسألك ذلك، ويجوز أن يكون النصب على المفعولية - لقولوا - أي قولوا هذه الكلمة بعينها - وهو المروي عن ابن عباس - ومفعول القول عند أهل اللغة يكون مفردا إذا أريد به لفظه ولا عبرة بما في " البحر " من المنع إلا أنه يبعد هذا إن هذه اللفظة عربية وهم ما كانوا يتكلمون بها، ولأن الظاهر أنهم أمروا أن يقولوا قولا دالا على التوبة والندم حتى لو قالوا اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك لكان المقصود حاصلا ولا تتوقف التوبة على ذكر لفظة بعينها، ولهذا قيل: الأوجه في كونها مفعولا - لقولوا - أن يراد قولوا أمرا حاطا لذنوبكم من الاستغفار، وحينئذ يزول عن هذا الوجه الغبار، ثم هذه اللفظة على جميع التقادير عربية معلومة الاشتقاق، والمعنى وهو الظاهر المسموع، وقال الأصم: هي من ألفاظ أهل الكتاب لا نعرف معناها في العربية. وذكر عكرمة إن معناها لا إله إلا الله وهو من الغرابة بمكان.
* (نغفر لكم خط‍اي‍اكم) * بدخولكم الباب سجدا وقولكم حطة. والخطايا أصلها خطايىء بياء بعد ألف ثم همزة فأبدلت الياء - عند سيبويه - الزائدة همزة لوقوعها بعد الألف واجتمعت همزتان وأبدلت الثانية ياء ثم قلبت ألفا، وكانت الهمزة بين ألفين فأبدلت ياء، وعند الخليل قدمت الهمزة على الياء ثم فعل بها ما ذكر، وقرأ نافع * (يغفر) * - بالياء - وابن عامر - بالتاء - على البناء للمجهول، والباقون - بالنون - والبناء للمعلوم - وهو الجاري على نظام ما قبله وما بعده - ولم يقرأ أحد من السبعة إلا بلفظ * (خطاياكم) * وأمالها الكسائي، وقرأ الجحدري وقتادة * (تغفر) * بضم التاء، وأفرد - الخطيئة - وقرأ الجمهور بإظهار - الراء - من * (يغفر) * عند - اللام - وأدغمها قوم، قالوا: وهو ضعيف.
* (وسنزيد المحسنين) * معطوف على جملة * (قولوا حطة) * وذكر أنه عطف على الجواب، ولم ينجزم لأن - السين - تمنع الجزاء عن قبول الجزم، وفي إبرازه في تلك الصورة دون تردد دليل على أن المحسن يفعل ذلك ألبتة، وفي الكلام صفة الجمع مع التفريق، فإن * (قولوا حطة) * جمع، و * (نغفر لكم) * و * (سنزيد) * تفريق، والمفعول محذوف، أي ثوابا.
* (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السمآء بما كانوا يفسقون) * * (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) * أي بدل الذين ظلموا بالقول الذي قيل لهم قولا غيره * (فبدل) * يتعدى لمفعولين أحدهما: بنفسه والآخر: بالياء، ويدخل على المتروك - فالذم متوجه - وجوز أبو البقاء أن يكون - بدل - محمولا على المعنى، أي: فقال الذين ظلموا قولا الخ، والقول بأن (غير) منصوب بنزع الخافض، كأنه قيل: فغيروا قولا بغيره غير مرضي من القول، وصرح سبحانه - بالمغايرة - مع استحالة تحقق - التبديل - بدونها تحقيقا لمخالفتهم وتنصيصا على - المغايرة - من كمل وجه؛ وظاهر الآية انقسام من هناك إلى - ظالمين - وغير - ظالمين - وأن - الظالمين - هم - الذين بدلوا - وإن كان - المبدل - الكل كان وضع ذلك من وضع الظاهر موضع الضمير - للإشعار بالعلة - واختلف في - القول الذي بدلوه - ففي الصحيحن أنهم قالوا: حبة في شعيرة، وروى الحاكم * (حنطة) * بدل * (حطة) * وفي " المعالم " إنهم قالوا بلسانهم - حطة سمقاثا - أي حنطة حمراء، قالوا ذلك استهزاء منهم بما قيل لهم، والروايات في ذلك كثيرة، وإذا صحت يحمل اختلاف الألفاظ على اختلاف القائلين، والقول بأنه لم يكن منهم - تبديل - ومعنى - فبدلوا لم يفعلوا ما أمروا به، لا أنهم أتوا ببدل له - غير مسلم - وإن قاله أبو مسلم - وظاهر الآية، والأحاديث تكذبه.
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»