تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٦٥
والمشهور عن ابن عباس وابن مسعود وقتادة والسدي، والربيع، وغيرهم - وإليه ذهب الجمهور - أنها بيت المقدس، وقد كان هذا الأمر بعد التيه والتحير وهو أمر إباحة يدل عليه عطف * (فكلوا) * الخ وهو غير الأمر المذكور بقوله تعالى: * (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) * (المائدة: 21) لأنه كان قبل ذلك وهو أمر تكليف كما يدل عليه عطف النهي، ومنهم من زعم اتحادهما، وجعل هذا الأمر أيضا للتكليف. وحمل تبديل الأمر على عدم امتثاله بناء على أنه لم يدخلوا القدس في حياة موسى عليه السلام، ومنهم من ادعى اختلافهما لكنه زعم أن ما هنا كان بعد التيه على لسان يوشع لا على لسان موسى عليهما السلام لأنه وأخاه هرون ماتا في التيه وفتح يوشع مع بني إسرائيل أرض الشام بعد موته عليه السلام بثلاثة أشهر، ومنهم من قال الأمر في التيه بالدخول بعد الخروج عنه ولا يخفى ما في كل، فالأظهر ما ذكرنا. وقد روي أن موسى عليه السلام سار بعد الخروج من التيه بمن بقي من بني إسرائيل إلى أريحاء - وهي بأرض القدس - وكان يوشع بن نون على مقدمته ففتحها وأقام بها ما شاء الله تعالى ثم قبض، وكأنهم أمروا بعد الفتح بالدخول على وجه الإقامة والسكنى كما يشير إليه قوله تعالى: * (فكلوا) * الخ، وقوله تعالى في الأعراف (161) * (اسكنوا هذه القرية) * ويؤكد كونه بعد الفتح الإشارة بلفظ القريب، والقول - بأنها نزلت منزلة القريب ترويجا للأمر - بعيد، ولا ينافي هذا ما مر من أنه مات في التيه لأن المراد به المفازة لا التيه مصدر تاه يتيه تيها بالكسر والفتح وتيهانا إذا ذهب متحيرا فليفهم. * (فكلوا منها حيث شئتم رغدا) * أي واسعا هنيئا ونصبه على المصدرية أو الحالية من ضمير المخاطبين، وفي الكلام إشارة إلى حل جميع مواضعها لهم، أو الإذن بنقل حاصلها إلى أي موضع شاءوا مع دلالة (رغدا) على أنهم مرخصون بالأكل منها - واسعا - وليس عليهم القناعة لسد الجوعة، ويحتمل أن يكون وعدا لهم بكثرة المحصولات وعدم الغلاء، وأخر هذه المنصوب هنا مع تقديمه في آية آدم عليه السلام قبل لمناسبة الفاصلة في قوله تعالى: * (وادخلوا الباب سجدا) * والخلاف في نصب (الباب) في نصب * (هذه القرية) * والمراد بها على المشهور أحد أبواب بيت القدس، وتدعى الآن باب حطة قاله ابن عباس، وقيل: الباب الثامن من أبوابه، ويدعي الآن باب التوبة - وعليه مجاهد - وزعم بعضهم أنها باب القبة التي كانت لموسى وهرون عليهما السلام يتعبدان فيها، وجعلت قبلة لبني إسرائيل في التيه، وفي وصفها أمور غريبة في القصص لا يعلمها إلا الله تعالى. و (سجدا) حال من ضمير * (ادخلوا) * والمراد خضعا متواضعين لأن اللائق بحال المذنب التائب والمطيع الموافق الخشوع والمسكنة، ويجوز حمل السجود على المعنى الشرعي، والحال مقارنة أو مقدرة، ويؤيد الثاني ما روي عن وهب في معنى الآية - إذا دخلتموه فاسجدوا شكرا لله أي على ما أنعم عليكم حيث أخرجكم من التيه ونصركم على من كنتم منه تخافون وأعادكم إلى ما تحبون - وقول الزمخشري - أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكرا لله تعالى وتواضعا - لم نقف على ما يدل عليه من كتاب وسنة، وفسر ابن عباس السجود هنا بالركوع، وبعضهم بالتطامن والانحناء قالوا: وأمروا بذلك لأن الباب كان صغيرا ضيقا يحتاج الداخل فيه إلى انحناء، وفي الصحيح عن أبي هريرة أنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل لبني إسرائيل: * (ادخلوا الباب سجدا) * فدخلوا يزحفون على أستاهمم ".
* (وقولوا حطة) * أي مسالتنا، أو شأنك يا ربنا أن تحط عنا ذنوبنا، وهي فعلة من - الحط - كالجلسة، وذكر أبان أنها بمعنى التوبة وأنشد: فاز (بالحطة) التي جعل الل‍ * - ه بها ذنب عبده مغفورا
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»