تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٦٢
والمقر به محذوف، وهو أن الله تعالى أعطاه التوراة، أو أن الله تعالى كلمه فأمره ونهاه، وقد كان هؤلاء مؤمنين - من قبل - بموسى عليه السلام، إلا أنهم نفوا هذا الإيمان المعين والإقرار الخاص. وقيل: أرادوا نفي الكمال أي لا يكمل إيماننا لك، كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه " والقول إنهم لم يكونوا مؤمنين أصلا لم نره لأحد من أئمة التفسير.
* (حتى نرى الله جهرة) * * (حتى) * هنا حرف غاية، والجهرة في الأصل مصدر جهرت بالقراءة - إذا رفعت صوتك بها - واستعيرت للمعاينة بجامع الظهور التام. وقال الراغب: - الجهر - يقال لظهور الشيء بإفراط حاسة البصر أو حاسة السمع أما البصر فنحو رأيته جهارا وأما السمع فنحو * (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) * وانتصابها - على أنها مصدر - مؤكد مزيل لاحتمال أن تكون الرؤية مناما أو علما بالقلب، وقيل: على أنها حال على تقدير ذوي - جهرة - أو مجاهرين، فعلى الأول - الجهرة - من صفات الرؤية، وعلى الثاني من صفات الرائين، وثم قول ثالث، وهو أن تكون راجعة لمعنى القول أو القائلين - فيكون المعنى - وإذ قلتم كذا قولا جهرة أو جاهرين بذلك القول مكترثين ولا مبالين، وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأبي عبيدة، وقرأ سهل بن شعيب وغيره جهرة بفتح الهاء، وهي إما مصدر - كالغلبة - ومعناها معنى المسكنة وإعرابها إعرابها أو جمع - جاهر - أو كفاسق وفسقة، وانتصابها على الحال.
* (فأخذتكم الص‍اعقة) * أي استولت عليكم وأحاطت بكم، وأصل - الأخذ - القبض باليد، والصاعقة هنا نار من السماء أحرقتهم أو جند سماوي سمعوا حسهم فماتوا، أو صيحة سماوية خروا لها صعقين ميتين يوما وليلة، واختلف في موسى هل أصابه ما أصابهم؟ والصحيح - لا - وأنه صعق ولم يمت لظاهر ثم أفاق في حقه، و * (ثم بعثناكم) * الخ في حقهم، وقرأ عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما (الصعقة).
* (وأنتم تنظرون) * جملة حالية ومتعلق النظر ما حل بهم من الصاعقة أو أثرها الباقي في أجسامهم بعد البعث، أو إحياء كل منهم - كما وقع في قصة العزيز، قالوا: أحيا عضوا بعد عضو: والمعنى: وأنتم تعلمون أنها تأخذكم، أو وأنتم يقابل بعضكم بعضا، قال في " البحر ": ولو ذهب ذاهب إلى أن المعنى: وأنتم تنظرون إجابة السؤال في حصول الرؤية لكم كان وجها من قولهم: نظرت الرجل - أي انتظرته - كما قال: فإنكما إن (تنظراني) ساعة * من الدهر تنفعني لدى أم جندب لكن هذا الوجه غير منقول فلا أجسر على القول به، وإن كان اللفظ يحتمله.
* (ثم بعثنكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) * * (ثم بعثناكم من بعد موتكم) * بسبب الصاعقة، وكان ذلك بدعاء موسى عليه السلام ومناشدته ربه بعد أن أفاق، ففي بعض الآثار أنهم لما ماتوا لم يزل موسى يناشد ربه في إحيائهم ويقول: يا رب إن بني إسرائيل يقولون قتلت خيارنا حتى أحياهم الله تعالى جميعا رجلا بعد رجل ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحييون، والموت هنا ظاهر في مفارقة الروح الجسد، وقيد البعث به لأنه قد يكون عن نوم كما هو في شأن أصحاب الكهف، وقد يكون بمعنى إرسال الشخص - وهو في القرآن كثير - ومن الناس من قال: كان هذا الموت غشيانا وهمودا لا موتا حقيقة كما في قوله تعالى: * (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت) * (إبراهيم: 17) ومنهم من حمل الموت على الجهل مجازا كما في قوله تعالى: * (أو من كان ميتا فأحييناه) * (الأنعام: 122). وقد شاع ذلك نثرا ونظما، ومنه قوله:
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»