تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٦٣
أخو (العلم حي) خالد بعد موته * وأوصاله تحت التراب رميم وذو (الجهل ميت) وهو ماش على الثرى * يظن من الأحياء وهو عديم ومعنى البعث على هذا التعليم أي ثم علمناكم بعد جهلكم.
* (لعلكم تشكرون) * أي نعمة الله تعالى عليكم بالإحياء بعد الموت أو نعمته سبحانه بعدما كفرتموها إذ رأيتم بأس الله تعالى في رميكم بالصاعقة وإذاقتكم الموت وتكليف من أعيد بعد الموت مما ذهب إليه جماعة لئلا يخلو بالغ عاقل من تعبد في هذه الدار بعد بعثة المرسلين، ومن جعل البعث بعد الموت مجازا عن التعليم بعد الجهل جعل متعلق الشكر ذلك، وفي بعض الآثار أنه لما أحياهم الله تعالى سألوا أن يبعثهم أنبياء ففعل، فمتعلق الشكر حينئذ على ما قيل: هذا البعث وهو بعيد، وأبعد منه جعل متعلقه إنزال التوراة التي فيها ذكر توبته عليهم وتفصيل شرائعهم بعد أن لم يكن لهم شرائع.
وقد استدل المعتزلة وطوائف من المبتدعة بهذه الآية على استحالة رؤية الباري سبحانه وتعالى لأنها لو كانت ممكنة لما أخذتهم الصاعقة بطلبها، والجواب أن أخذ الصاعقة لهم ليس لمجرد الطلب ولكن لما انضم إليه من التعنت وفرط العناد كما يدل عليه مساق الكلام حيث علقوا الإيمان بها، ويجوز أيضا أن يكون ذلك الأخذ لكفرهم بإعطاء الله تعالى التوراة لموسى عليه السلام وكلامه إياه أو نبوته لا لطلبهم، وقد يقال: إنهم لما لم يكونوا متأهلين لرؤية الحق في هذه النشأة كان طلبهم لها ظلما فعوقبوا بما عوقبوا، وليس في ذلك دليل على امتناعها مطلقا في الدنيا والآخرة، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق هذه المسألة بوجه لا غبار عليه.
* (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيب‍ات ما رزقن‍اكم وما ظلمونا ول‍اكن كانوا أنفسهم يظلمون) * * (وظللنا عليكم الغمام) * عطف على * (بعثناكم) * (البقرة: 56) وقيل: على * (قلتم) * (البقرة: 55) والأول أظهر للقرب والاشتراك في المسند إليه مع التناسب في المسندين في كون كل منهما نعمة بخلاف * (قلتم) * فإنه تمهيد لها، وإفادته تأخير التظليل والإنزال عن واقعة طلبهم الرؤية، وعلى التقديرين لا بد لترك كلمة * (إذ) * (البقرة: 55) ههنا من نكتة، ولعلها الاكتفاء بالدلالة العقلية على كون كل منهما نعمة مستقلة مع التحرز عن تكرارها في * (ظللنا) * و * (أنزلنا) * والغمام اسم جنس كحامة وحمام وهو السحاب، وقيل: ما ابيض منه، وقال مجاهد: هو أبرد من السحاب وأرق، وسمي غماما لأنه يغم وجه السماء ويستره ومنه الغم والغمم، وهل كان غماما حقيقة أو شيئا يشبههه وسمي به؟ قولان، والمشهور الأول وهو مفعول * (ظللنا) * على إسقاط حرف الجر كما تقول: ظللت على فلان بالرداء أو بلا إسقاط، والمعنى جعلنا الغمام علكيم ظلة، والظاهر أن الخطاب لجميعهم فقد روي أنهم لما أمروا بقتال الجبارين وامتنعوا وقالوا: * (اذهب أنت وربك فقاتلا) * (المائدة: 24) ابتلاهم الله تعالى بالتيه بين الشام ومصر أربعين سنة وشكوا حر الشمس فلطف الله تعالى بهم بإظلال الغمام - وإنزال المن والسلوى - وقيل: لما خرجوا من البحر وقعوا بأرض بيضاء عفراء ليس فيها ماء ولا ظل فشكوا الحر فوقوا به، وقيل: الذين ظللوا بالغمام بعض بني إسرائيل وكان الله تعالى قد أجرى العادة فيهم أن من عبد ثلاثين سنة لا يحدث فيها ذنبا أظلته الغمامة وكان فيهم جماعة يسمون أصحاب غمائم فامتن الله تعالى لكونهم فيهم من له هذه الكرامة الظاهرة والنعمة الباهرة.
* (وأنزلنا عليكم المن والسلوى) * المن اسم جنس لا واحد له من لفظه والمشهور أنه الترنجبين وهو شيء يشبه الصمغ حلو مع شيء من الحموضة كان ينزل عليهم كالطل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس في كل يوم إلا يوم السبت وكان كل شخص مأمورا بأن يأخذ قدر صاع كل يوم أو ما يكفيه يوما وليلة ولا يدخر إلا يوم الجمعة فإن ادخار حصة السبت كان مباحا فيه. وعن وهب أنه الخبز الرقاق، وقيل: المراد به جميع ما من الله تعالى
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»