تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٦٨
ذكر حكم كل واحد منهما في سورة أخرى. السادس: قال هنا: * (وسنزيد) * - بالواو - وهناك بدونه، إذ جعل هنا - المغفرة - مع الزيادة جزاءا واحدا لمجموع الفعلين، وأما هناك فالمغفرة جزاء قول (حطة) والزيادة جزاء الدخول فترك (الواو) يفيد توزع كل من الجزاءين على كل من الشرطين. السابع: قال هناك: * (الذين ظلموا منهم) * (الأعراف: 162) وهنا لم يذكر (منهم) لأن أول القصة هناك مبني على التخصيص ب * (من) * حيث قال: * (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق) * (الأعراف: 159) فخص في آخر الكلام ليطابق أوله؛ ولما لم يذكر في الآيات التي قبل * (فبدل) * هنا تمييزا وتخصيصا لم يذكر في آخر القصة ذلك. الثامن: قال هنا: * (فأنزلنا) * وهناك * (فأرسلنا) * (الأعراف: 162) لأن الإنزال يفيد حدوثه في أول الأمر، والإرسال يفيد تسليطه عليهم واستئصاله لهم، وذلك يكون بالآخرة. التاسع: قال هنا: * (فكلوا) * (البقرة: 58) - بالفاء - وهناك - بالواو - لما مر في * (وكلا منها رغدا) * (البقرة: 35) وهو أن كل فعل عطف عليه شيء - وكان الفعل بمنزلة الشرط، وذلك الشيء بمنزلة الجزاء - عطف الثاني على الأول - بالفاء - دون - الواو - فلما تعلق الأكل بالدخول قيل في سورة البقرة: * (فكلوا) * ولما لم يتعلق - الأكل بالسكون - في الأعراف (161) قيل: * (وكلوا) *. العاشر: قال هنا: * (يفسقون) * وهناك * (يظلمون) * (الأعراف: 162) لأنه لما بين هنا كون الفسق ظلما اكتفى بلفظ - الظلم - هناك انتهى. ولا يخفى ما في هذه الأجوبة من النظر، أما في الأول والثاني والثامن والعاشر فلأنها إنما تصح إذا كانت سورة البقرة متقدمة على سورة الأعراف نزولا - كما أنها متقدمة عليها ترتيبا - وليس كذلك، فإن سورة البقرة كلها مدنية، وسورة الأعراف كلها مكية إلا ثمان آيات من قوله تعالى: * (واسألهم عن القرية) * إلى قوله تعالى: * (وإذ نتقنا الجبل) * (الأعراف: 163 - 171) وقوله تعالى: * (اسكنوا هذه القرية) * (الأعراف: 161) داخل في الآيات المكية، فحينئذ لا تصح الأجوبة المذكورة. وأما ما ذكر في التاسع فيرد عليه منع عدم تعلق - الأكل بالسكون - لأنهم إذا سكنوا القرية، تتسبب سكناهم - للأكل - منها كما ذكر الزمخشري، فقد جمعوا في الوجود بين سكناها والأكل منها، فحينئذ لا فرق بين * (كلوا) * و * (فكلوا) * فلا يتم الجواب، وأما الثالث فلأنه تعالى - وإن قال في الأعراف (161) * (وإذ قيل) * - لكنه قال في السورتين: * (نغفر لكم) * (البقرة: 58، الأعراف: 161) وأضاف - الغفران - إلى نفسه، فبحكم تلك اللياقة ينبغي أن يذكر في السورتين - جمع الكثرة - بل لا شك أن رعاية * (نغفر لكم) * أولى من رعاية * (وإذ قيل لهم) * لتعلق - الغفران بالخطايا - كما لا يخفى على العارف بالمزايا. وأما الرابع فلأنه تعالى - وإن لم يسند الفعل إلى نفسه تعالى - لكنه مسند إليه في نفس الأمر، فينبغي أن يذكر الإنعام الأعظم في السورتين. وأما الخامس فلأن القصة واحدة، وكون بعضهم مذنبين وبعضهم غير مذنبين محقق - فعلى مقتضى ما ذكر - ينبغي أن يذكر * (وقولوا حطة) * مقدما في السورتين. وأما السادس فلأن القصة واحدة، وأن - الواو - لمطلق الجمع، وقوله تعالى: * (نغفر) * في مقابلة * (قولوا) * سواء قدم أو أخر، وقوله تعالى: * (وسنزيد) * (البقرة: 58) في مقابلة * (وادخلوا) * (الأعراف: 161) سواء ذكر - الواو - أو ترك، وأما السابع فلأنه تعالى قد ذكر هنا قبل * (فبدل) * (البقرة: 58) ما يدل على التخصيص والتمييز، حيث قال سبحانه: * (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم) * (الأعراف: 160) الخ بكافات الخطاب وصيغته - فاللائق حينئذ - أن يذكر لفظ (منهم) أيضا، والجواب الصحيح عن جميع هذه السؤالات وما حكاها - ما ذكره الزمخشري - من أنه لا بأس باختلاف العبارتين إذا لم يكن هناك تناقض، ولا تناقض بين قوله تعالى: * (اسكنوا هذه القرية) * (الأعراف: 161) وقوله: * (وكلوا) * (الأعراف: 161) لأنهم إذا سكنوا القرية فتسبب سكناهم للأكل منها، فقد جمعوا في الوجود بين سكناها والأكل منها، وسواء قدموا (الحطة) على - دخول الباب - أو أخروها، فهم جامعون في الإيجاد بينهما، وترك ذكر - الرغد - لا يناقض
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»