تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٦١
والعندية هنا مجاز، وكرر البارىء بلفظ الظاهر اعتناء بالحث على التسليم له في كل حال، وتلقى ما يرد من قبله بالقبول والامتثال فإنه كما رأى الإنشاء راجحا فأنشأ رأي الإعدام راجحا، فأمر به وهو العليم الحكيم.
* (فتاب عليكم) * جواب شرط محذوف بتقدير - قد - إن كان من كلام موسى عليه السلام لهم، تقديره إن فعلتم ما أمرتم به فقد تاب عليكم ومعطوف على محذوف - إن كان خطابا من الله تعالى لهم، كأنه قال: ففعلتم ما أمرتم فتاب عليكم بارئكم وفيه التفات لتقدم التعبير عنهم في كلام موسى عليه السلام بلفظ القوم وهو من قبيل الغيبة، أو من التكلم إلى الغيبة في * (فتاب) * حيث لم يقل: فتبنا، ورجح العطف لسلامته من حذف الأداة والشرط وإبقاء الجواب، وفي ثبوت ذلك عن العرب مقال، وظاهر الآية كونها إخبارا عن المأمورين بالقتل الممتثلين ذلك. وقال ابن عطية: جعل الله تعالى - القتل - لمن - قتل - شهادة وتاب عن الباقين وعفا عنهم، فمعنى * (علكيم) * عنده، على باقيكم.
* (إنه هو التواب الرحيم) * تذييل لقوله تعالى: * (فتوبوا) * فإن - التوبة بالقتل - لما كانت شاقة على النفس هونها سبحانه بأنه هو الذي يوفق إليها ويسهلها ويبالغ في الإنعام على من أتى بها، أو تذييل لقوله تعالى: * (فتاب عليكم) * وتفسر التوبة منه تعالى حينئذ بالقبول لتوبة المذنبين - والتأكيد لسبق الملوح - أو للاعتناء بمضمون الجملة، والضمير المنصوب إن كان ضمير الشأن - فالضمير المرفوع مبتدأ - وهو الأنسب لدلالته على كمال الإعتناء بمضمون الجملة، وإن كان راجعا إلى البارىء سبحان فالضمير المرفوع إما فصل أو مبتدأ، هذا وحظ العارف من هذه القصة أن يعرف أن هواه بمنزلة عجل بني إسرائيل - فلا يتخذه إلها - * (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) * (الجاثية: 23) وأن الله سبحانه قد خلق نفسه في أصل الفطرة مستعدة لقبول فيض الله تعالى والدين القويم، ومتهيئة لسلوك المنهج المستقيم، والترقي إلى جناب القدس وحضرة الأنس، وهذا هو الكتاب الذي أوتيه موسى القلب، والفرقان الذي يهتدى بنوره في ليالي السلوك إلى حضرة الرب، فمتى أخلدت النفس إلى الأرض واتبعت هواها، وآثرت شهواتها على مولاها، أمرت بقتلها بكسر شهواتها وقلع مشتهياتها ليصح لها البقاء بعد الفناء، والصحو بعد المحو، وليست التوبة الحقيقية سوى محو البشرية بإثبات الألوهية، وهذا هو الجهاد الأكبر والموت الأحمر. ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الأحياء وهذا صعب لا يتيسر إلا لخواص الحق ورجال الصدق، وإليه الإشارة بموتوا قبل أن تموتوا. وقيل أول قدم في العبودية إتلاف النفس وقتلها بترك الشهوات، وقطعها عن الملاذ، فكيف الوصول إلى شيء من منازل الصديقين ومعارج المقربين - هيهات هيهات - ذاك بمعزل عنا، ومناط الثريا منا: تعالوا نقم مأتما للهموم * فإن الحزين يواسي الحزينا * (وإذ قلتم ي‍اموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الص‍اعقة وأنتم تنظرون) * * (وإذ قلتم ي‍اموسى لن نؤمن لك) * القائل هم السبعون الذين اختارهم موسى عليه السلام لميقات التوراة، قيل: قالوه بعد الرجوع، وقتل عبدة العجل، وتحريق عجلهم، ويفهم من بعض الآثار أن القائل أهل الميقات الثاني الذي ضربه الله تعالى للاعتذار عن عبدة العجل - وكانوا سبعين أيضا، وقيل القائل عشرة آلاف من قومه، وقيل: الضمير لسائر بني إسرائيل - إلا من عصمه الله تعالى - وسيأتي إن شاء الله تعالى في الأعراف ما ينفعك هنا - واللام - من * (لك) * إما - لام الأجل - أو للتعدية بتضمين معنى الإقرار على أن موسى مقر له
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»