تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٥٥
المختلفة عليكم فاشكروا واصبروا فالكل منه وكل ما فعل المحبوب محبوب.
* (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجين‍اكم وأغرقنا ءال فرعون وأنتم تنظرون) * * (وإذ فرقنا بكم البحر) * عطف على ما قبل، و - الفرق - الفصل بين الشيئين، وتعديته إلى البحر بتضمين معنى الشق، أي فلقناه وفصلنا بين بعضه وبعض لأجلكم، وبسبب إنجائكم. والباء للسببية الباعثة بمنزلة اللام - إذا قلنا بتعليل أفعاله تعالى - وللسببية الشبيهة بها في الترتيب على الفعل، وكونه مقصودا منه - إن لم نقل به - وإنما قال سبحانه: * (بكم) * دون لكم، لأن العرب - على ما نقله الدامغاني - تقول: غضبت لزيد - إذا غضبت من أجله وهو حي - وغضبت بزيد - إذا غضبت من أجله وهو ميت - ففيه تلويح إلى أن الفرق كان من أجل أسلاف المخاطبين، ويحتمل أن تكون للاستعانة على معنى - بسلوككم - ويكون هناك استعارة تبعية بأن يشبه سلوكهم بالآلة في كونه واسطة في حصول الفرق من الله تعالى، ويستعمل الباء. وقول الإمام الرازي قدس سره: - إنهم كانوا يسلكون، ويتفرق الماء عند سلوكهم، فكأنه فرق بهم - يرد عليه أن تفرق الماء كان سابقا على سلوكهم على ما تدل عليه القصة، وقوله تعالى: * (أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) * (الشعراء: 63) وما قيل: إن الآلة هي العصا - كما تفهمه الآية - غير مسلم. والمفهوم كونها آلة الضرب - لا الفرق - ولو سلم يجوز كون المجموع آلة، على أن آلية السلوك على التجوز، وقد يقال: إن الباء للملابسة، والجار والمجرور ظرف مستقر واقع موقع الحال من الفاعل، وملابسته تعالى معهم حين الفرق ملابسة عقلية، وهو كونه ناصرا وحافظا لهم، وهي ما أشار إليه موسى عليه السلام بقوله تعالى: * (كلا إن معي ربي سيهدين) * (الشعراء: 62) ومن الناس من جعله حالا من البحر مقدما - وليس بشيء - لأن الفرق مقدم على ملابستهم البحر اللهم إلا على التوسع، واختلفوا في هذا البحر فقيل: القلزم - وكان بين طرفيه أربعة فراسخ - وقيل: النيل، والعرب تسمي الماء الملح والعذب بحرا - إذا كثر، ومنه: * (مرج البحرين يلتقيان) * (الرحمن: 19) وأصله السعة، وقيل: الشق، ومن الأول: البحرة البلدة، ومن الثاني: البحيرة التي شقت أذنها، وفي كيفية الانفلاق قولان: فالمشهور كونه خطيا، وفي بعض الآثار ما يقتضي كونه قوسيا، إذ فيه أن الخروج من الجانب الذي دخلوا منه، واحتمال الرجوع في طريق الدخول يكاد يكون باطلا لأن الأعداء في أثرهم، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ما يتعلق بهذا المبحث.
* (فأنجين‍اكم وأغرقنا ءال فرعون) * في الكلام حذف يدل عليه المعنى والتقدير: وإذا فرقنا بكم البحر وتبعكم فرعون وجنوده في تقحمه فأنجيناكم أي من الغرق، أو من إدراك فرعون وآله لكم، أو مما تكرهون، وكنى سبحانه بآل فرعون عن فرعون وآله كما يقال: بني هاشم؛ وقوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * (الإسراء: 70) يعني هذا الجنس الشامل لآدم، أو اقتصر على ذكر الآل لأنهم إذا عذبوا بالإغراق كان مبدأ العناد ورأس الضلال أولى بذلك، وقد ذكر تعالى غرق فرعون في آيات أخر من كتابه كقوله سبحانه: * (فأغرقناه ومن معه جميعا) * (الإسراء: 103) * (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) * (القصص: 40) وحمل الآل - على الشخص حيث إنه ثبت لغة كما في " الصحاح " - ركيك غير مناسب للمقام، وإنما المناسب له التعميم، وناسب نجاتهم - بإلقائهم في البحر وخروجهم منه سالمين - نجاة نبيهم موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام من الذبح بإلقائه وهو طفل في البحر وخروجه منه سالما، ولكل أمة نصيب من نبيها وناسب هلاك فرعون - وقومه بالغرق - هلاك بني إسرائيل على أيديهم بالذبح لأن الذبح فيه تعجيل الموت بإنهار الدم، والغرق فيه فيه إبطاء الموت ولا دم خارج وكان ما به الحياة وهو الماء كما يشير إليه قوله تعالى: * (وجعلنا من الماء كل
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»