أو بقوله «يغفر الله لكم» لأنه حينئذ صفح عن جريمتهم وعفا عن جريرتهم بما فعلوا من التوبة «وهو أرحم الراحمين» يغفر الصغائر والكبائر ويتفضل على التائب بالقبول ومن كرمه عليه الصلاة والسلام أن إخوته أرسلوا إليه إنك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشيا ونحن نستحي منك بما فرط منا فيك فقال عليه الصلاة والسلام إن أهل مصر وإن ملكت فيهم كانوا ينظرون إلي بالعين الأولى ويقولون سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ ولقد شرفت بكم الآن وعظمت في العيون حيث علم الناس إنكم إخوتي وأني من حفدة إبراهيم عليه الصلاة والسلام «اذهبوا بقميصي هذا» قيل هو الذي كان عليه حينئذ وقيل هو القميص المتوارث الذي كان في التعويذ أمره جبريل بإرساله إليه وأوحى إليه أن فيح ريح الجنة لا يقع على مبتلى إلا عوفي «فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا» يكن بصيرا أو يأت إلي بصيرا وينصره قوله «وأتوني بأهلكم أجمعين» أي بأبي وغيره ممن ينتظمه لفظ الأهل جميعا من النساء والذراري قيل إنما حمل القميص يهوذا وقال أنا أحزنته بحمل القميص ملطخا بالدم إليه فأفرحه كما أحزنته وقيل حمله وهو حاف حاسر من مصر إلى كنعان وبينهما مسيرة ثمانين فرسخا «ولما فصلت العير» خرجت من عريش مصر يقال فصل من البلد فصولا إذا انفصل منه وجاوز حيطانه وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما انفصل العير «قال أبوهم» يعقوب عليه الصلاة والسلام لمن عنده «إني لأجد ريح يوسف» أوجده الله سبحانه ما عبق بالقميص من ريح يوسف من ثمانين فرسخا حين أقبل به يهوذا «لولا أن تفندون» أي تنسبوني إلى الفند وهو الخرف وإنكار العقل وفساد الرأي من هرم يقال شيخ مفند ولا يقال عجوز مفندة إذ لم تكن في شبيبتها ذات رأي فتفند في كبرها وجواب لولا محذوف أي لصدقتموني «قالوا» أي الحاضرون عنده «تالله إنك لفي ضلالك القديم» لفي ذهابك عن الصواب قدما في إفراط محبتك ليوسف ولهجك بذكره ورجائك للقائه وكان عندهم أنه قد مات «فلما أن جاء البشير» وهو يهوذا «ألقاه» أي ألقى البشير القميص «على وجهه» أي وجهه يعقوب أو ألقاه يعقوب على وجه نفسه «فارتد» عاد «بصيرا» لما انتعش فيه من القوة «قال ألم أقل لكم» يعني قوله إني لأجد ريح يوسف فالخطاب لمن كان عنده بكنعان أو قوله ولا تيأسوا من روح الله فالخطاب لبنيه وهو الأنسب بقوله «إني أعلم من الله ما لا تعلمون»
(٣٠٥)