المراد إلزام المكذبين والمعنى ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك إذ لا سبيل إلى معرفتك إياه سوى ذلك إذ عدم سماعك ذلك من الغير وعدم مطالعتك للكتب أمر لا يشك فيه المكذبون أيضا ولم تكن بين ظهرانيهم عند وقوع الأمر حتى تعرفه كما هو فتبلغه إليهم وفيه تهكم بالكفار فكأنهم يشكون في ذلك فيدفع شكهم وفيه أيضا إيذان بأن ما ذكر من النبأ هو الحق المطابق للواقع وما ينقله أهل الكتاب ليس على ما هو عليه يعني أن مثل هذا التحقيق بلا وحي لا يتصور إلا بالحضور والمشاهدة وإذ ليس ذلك بالحضور فهو بالوحي ومثله قوله تعالى وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وقوله وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر «وما أكثر الناس» يريد به العموم أو أهل مكة «ولو حرصت» أي على إيمانهم وبالغت في إظهار الآيات القاطعة الدالة على صدقك «بمؤمنين» لتصميمهم على الكفر وإصرارهم على العناد روى أن اليهود وقريشا لما سألوا عن قصة يوسف وعدوا أن يسلموا فلما أخبرهم بها على موافقة التوراة فلم يسلموا حزن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له ذلك «وما تسألهم عليه» أي على الأنباء أو القرآن «من أجر» من جعل كما يفعله حملة الأخبار «إن هو إلا ذكر» عظة من الله تعالى «للعالمين» كافة لا أن ذلك مختص بهم «وكأين من آية» أي كأي عدد شئت من الآيات والعلامات الدالة على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته وحكمته غير هذه الآية التي جئت بها «في السماوات والأرض» أي كائنة فيهما من الأجرام الفلكية وما فيها من النجوم وتغير أحوالها ومن الجبال والبحار وسائر ما في الأرض من العجائب الفائتة للحصر «يمرون عليها» أي يشاهدونها ولا يعبئون بها وقرئ برفع الأرض على الابتداء ويمرون خبره وقرئ بنصبها على معنى ويطئون الأرض يمرون عليها وفي مصحف عبد الله والأرض يمشون عليها والمراد ما يرون فيها من آثار الأمم الهالكة وغير ذلك من الآيات والعبر «وهم عنها معرضون» غير ناظرين إليها ولا متفكرين فيها «وما يؤمن أكثرهم بالله» في إقرارهم بوجوده وخالقيته «إلا وهم مشركون» بعبادتهم لغيره أو باتخاذهم الأحبار والرهبان أرباب أو بقولهم باتخاذه تعالى ولدا سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا أو بالنور والظلمة وهي جلمة حالية أي لا يؤمن أكثرهم إلا في حال شركهم قيل نزلت الآية في أهل مكة وقيل في المنافقين وقيل في أهل الكتاب «أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله» أي عقوبة
(٣٠٩)