الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٥ - الصفحة ٧
خلقك فأتى على مشيئتك ثم زرعت في أرضك كل نبات فيها بكلمة واحدة وتراب واحد تسقى بماء واحد فجاء على مشيئتك مختلفا أكله ولونه وريحه وطعمه منه الحلو ومنه الحامض والمر والطيب ريحه والمنتن والقبيح والحسن وقال عزيز يا رب انما نحن خلقك وعمل يديك خلقت أجسادنا في أرحام أمهاتنا وصورتنا كيف تشاء بقدرتك جعلت لنا أركانا وجعلت فيها عظاما وفتقت لنا أسماعا وأبصارا ثم جعلت لنا في تلك الظلمة نورا وفي ذلك الضيق سعة وفي ذلك الفم روحا ثم هيات لنا من فضلك رزقا متفاوتا على مشيئتك لم تأن في ذلك مؤنة ولم تعي منه نصبا كان عرشك على الماء والظلمة على الهواء والملائكة يحملون عرشك ويسبحون بحمدك والخلق مطيع لك خاشع من خوفك لا يرى فيه نور الا نورك ولا يسمع فيه صوت الا سمعك ثم فتحت خزانة النور وطريق الظلمة فكانا ليلا ونهارا يختلفان بأمرك * وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال خلق الله آدم كما شاء ومما شاء فكان كذلك فتبارك الله أحسن الخالقين خلق من التراب والماء فمنه شعره ولحمه ودمه وعظامه وجسده فذلك بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم ثم جعلت فيه النفس فيها يقوم ويقعد ويسمع ويبصر ويعلم ما تعلم الدواب ويتقى ما تتقى ثم جعلت فيه الروح فبه عرف الحق من الباطل والرشد من الغي وبه حذر وتقدم واستتر وتعلم ودبر الأمور كلها فمن التراب يبوسته ومن الماء رطوبته فهذا بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم كما أحب ان يكون ثم جعلت فيه من هذه الفطر الأربع أنواعا من الخلق أربعة في جسد ابن آدم فهي قوام جسده وملاكه بإذن الله وهي المرة السوداء والمرة الصفراء والدم والبلغم فيبوسته وحرارته من النفس ومسكنها في الدم وبرودته من قبل الروح ومسكنه في البلغم فإذا اعتدلت هذه الفطر في الجسد فكان من كل واحد ربع كان جسدا كاملا وجسما صحيحا وان كثر واحد منها على صاحبه قهرها وعلاها وأدخل عليها السقم من ناحيته وان قل عنها وأخذ عنها غلبت عليه وقهرته ومالت به وضعفت عن قوتها وعجزت عن طاقتها وأدخل عليها السقم من ناحيته فالطبيب العالم بالداء يعلم من الجسد حيث أتى سقمه أمن نقصان أم من زيادة * وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال إذا تمت النطفة أربعة أشهر بعث إليها ملك فنفخ فيها الروح في الظلمات الثلاث فذلك قوله ثم أنشأناه خلقا آخر يعنى نفخ الروح فيه * وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ثم أنشأناه خلقا آخر يقول خرج من بطن أمه بعد ما خلق فكان من بدء خلقه الآخر ان استهل ثم كان من خلقه ان دله على ثدي أمه ثم كان من خلقه ان علم كيف يبسط رجليه إلى أن قعد إلى أن حبا إلى أن قام على رجليه إلى أن مشى إلى أن فطم تعلم كيف يشرب ويأكل من الطعام إلى أن بلغ الحلم إلى أن بلغ أن يتقلب في البلاد * وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة ثم أنشأناه خلقا آخر قال يقول بعضهم هو نبات الشعر وبعضهم يقول هو نفخ الروح * وأخرج ابن جرير عن مجاهد فتبارك الله أحسن الخالقين قال يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين * وأخرج ابن جرير عن ابن جريج فتبارك الله أحسن الخالقين قال عيسى بن مريم يخلق * وأخرج الطيالسي وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أنس قال قال عمر وافقت ربى في أربع قلت يا رسول الله لو صليت خلف المقام فأنزل الله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقلت يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجابا فإنه يدخل عليك البر والفاجر فأنزل الله وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن فأنزلت عسى ربه ان طلقكن الآية ونزلت ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين الآية إلى قوله ثم أنشأناه خلقا آخر فقلت أنا فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت فتبارك الله أحسن الخالقين * وأخرج ابن راهويه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال أملى على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين إلى قوله خلقا آخر فقال معاذ بن جبل فتبارك الله أحسن الخالقين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له معاذ ما أضحكك يا رسول الله قال إنها ختمت فتبارك الله أحسن الخالقين * وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين الآية قال عمر فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت فتبارك الله أحسن الخالقين * قوله تعالى (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) الآية * أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ولقد خلقنا فوقكم
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»
الفهرست