الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٥ - الصفحة ٢٩٠
فجاء الحوت يبصبص بذنبه فنودي الحوت انا لم نجعل يونس لك رزقا انما جعلناك له حرزا ومسجدا * وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال لما ذهب مغاضبا فكان في بطن الحوت قال من بطن الحوت الهى من البيوت أخرجتني ومن رؤس الجبال أنزلتني وفي البلاد سيرتني وفي البحر قذفتني وفي بطن الحوت سجنتني فما تعرف منى عملا صالحا تروح به عنى قالت الملائكة عليهم السلام ربنا صوت معروف من مكان غربة فقال لهم الرب ذاك عبدي يونس قال الله فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون وكان في بطن الحوت أربعين يوما فنبذه الله بالعراء وهو سقيم وأنبت عليه شجرة من يقطين قال واليقطين الدباء فاستظل بظلها وأكل من قرعها وشرب من أصلها ما شاء الله ثم إن الله تعالى أيبسها وذهب ما كان فيها فحزن يونس عليه السلام فأوحى الله إليه حزنت على شجرة أنبتها ثم أيبستها ولم تحزن على قومك حين جاءهم العذاب فصرف عنهم ثم ذهبت مغاضبا وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن حميد بن هلال قال كان يونس عليه السلام يدعو قومه فيأبون عليه فإذا خلا دعا الله لهم بالخير وقد بعثوا عليه عينا فلما أعيوه دعا الله عليهم فأتاهم عينهم فقال ما كنتم صانعين فاصنعوا فقد أتاكم العذاب فقد دعا عليكم فانطلق ولا يشك أنه سيأتيهم العذاب فخرجوا قد ولهوا البهائم عن أولادها فخرجوا تائبين فرحمهم الله تعالى وجاء يونس عليه السلام ينظر بأي شئ أهلكها فإذا الأرض مسودة منهم بدون عذاب وذاك حين ذهب مغاضبا فركب مع قوم في سفينة فجعلت السفينة لا تنفذ ولا ترجع فقال بعضهم لبعض ماذا الا لذنب بعضكم فاقترعوا أيكم نلقيه في الماء ونخلي وجهنا فاقترعوا فبقى سهم يونس عليه السلام في الشمال فقالوا لا نفتدي من أصحابنا بنبي الله فقال يونس عليه السلام ما يراد غيري فاقذفوني ولا تنكسوني ولكن صبوني على رجلي صبا ففعلوا وجاء الحوت شاحبا فاه فالتقمه فاتبعه حوت أكبر من ذلك ليلتقمهما فسبقه فكان يونس في بطن الحوت حتى رق العظم وذهب اللحم والبشر والشعر وكان سقيما فدعا بما دعا به فنبذ بالعراء وهو سقيم فأنبت الله عليه شجرة من يقطين فكان فيها غداه حتى اشتد العظم ونبت اللحم والشعر والبشر فعاد كما كان فبعث الله عليها ريحا فيبست فبكى عليها فأوحى الله إليه يا يونس أتبكي على شجرة جعل الله لك فيها غذاء ولا تبكي على قومك أن يهلكوا * وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال لما بعث الله يونس عليه السلام إلى قومه يدعوهم إلى الله وعبادته وأن يتركوا ما هم في أتاهم فدعاهم فأبوا عليه فرجع إلى ربه فقال رب ان قومي قد أبوا على وكذبوني قال فارجع إليهم فان هم آمنوا وصدقوا والا فأخبرهم ان العذاب مصبحهم غدوة فأتاهم فدعاهم فأبوا عليه قال فان العذاب مصبحكم غدوة ثم تولى عنهم فقال القوم بعضهم لبعض والله ما جربنا عليه من كذب منذ كان فينا فانظروا صاحبكم فان بات فيكم لليلة ولم يخرج من قريتكم ولم يبت فيها فاعلموا أن العذاب مصبحكم حتى إذا كان في جوف الليل أخذ مخلاة فجعل فيها طعيما له ثم خرج فلما رأوه فرقوا بين كل والدة وولدها من بهيمة أو انسان ثم عجوا إلى الله مؤمنين ومصدقين بيونس عليه السلام وبما جاء به فلما رأى الله ذلك منهم بعد ما كان قد غشيهم العاذب كما يغشى القبر بالثوب كشفه عنهم ومكث ينظر ما أصابهم من العذاب فلما أصبح رأى القوم يخرجون لهم يصبهم شئ من العذاب قال لا والله لا آتيهم وقد جربوا على كذبه فخرج فذهب مغاضبا لربه فوجد قوما يركبون في سفينة فركب معهم فلما نجحت بهم السفينة تكفت ووقفت فقال القوم ان فيكم لرجلا عظيم الذنب فاستهموا لا تغرقوا جميعا فاستهم القوم فسهمهم يونس عليه السلام قال القوم لا نلقى فيه نبي الله اختلطت سهامكم فأعيدوها فأسهموا فسهمهم يونس فلما رأى يونس عليه السلام ذلك قال للقوم فألقوني لا تغرقوا جميعا فألقوه فوكل الله تعالى به حوتا فالتقمه لا يكسر له عظما ولا يأكل له لحما فهبط به الحوت إلى أسفل البحر فلما جنه الليل نادى من ظلمات ثلاث ظلمة بطن الحوت وظلمة الليل وظلمة البحر أن لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين فأوحى الله إلى الحوت أن ألقيه في البر فارتفع الحوت فألقاه في البر لا شعر له ولا جلد ولا ظفر فلما طلعت عليه الشمس أذاه حرها فدعا الله فأنبتت عليه شجرة من يقطين وهي الدباء * وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال لما ألقى يونس عليه السلام في بطن الحوت طاف في البحور كلها سبعة أيام ثم انتهى به إلى شط دجلة فقذفه على شط دجلة فأنبت الله عليه شجرة من يقطين قال من نبات البرية
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»
الفهرست